النكبة و خالـــد مشـــــعل
صفحة 1 من اصل 1
النكبة و خالـــد مشـــــعل
خالـــد مشـــــعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس
بسم الله الرحمن الرحيم
1-لم تكن هزيمة الأمة أمام المشروع الصهيوني في عام 1948 (عام النكبة) هزيمة عابرة خارج السياق العام، وإنما جاءت في ظل ظروف وعوامل ذاتية وموضوعية لم تكن لتقود إلى غير تلك النتيجة، هذا على الرغم من حجم البطولات والتضحيات التي قدمها شعبنا الفلسطيني عبر ثوراته ومعاركه المتواصلة مع الاحتلال البريطاني والغزاة الصهاينة وعلى الرغم كذلك من إسهامات المجاهدين العرب والمسلمين الذين تدافعوا للدفاع عن فلسطين والذود عن عروبتها وإسلاميتها.
كانت الأمة -رغم بواكير النهوض والثورة على الاستعمار- لا تزال تعاني حالة الانحطاط والتراجع التاريخي في مسيرتها، فضلاً عن حالة التمزق والتجزئة التي أوجدها الاستعمار في بلادنا، كما أن إرادة القتال الحقيقية كانت غائبة في الصف العربي، ولم تكن الدول العربية آنذاك بمستوى المعركة ولا بحجمها، بينما كان الطرف الصهيوني متحفزاً مستجمعاً لكل طاقته، حاشداً خلفه تأييداً ظالماً من الدول الاستعمارية الكبرى آنذاك..
ونشأت في تلك الفترة مقاومة إسلامية وطنية فلسطينية وعربية، لكن المعارك كانت أكبر منها وكانت الظروف الموضوعية أقوى من إمكاناتها الذاتية.
ثم تبلورت في ظلها وعلى امتداداتها وإلى جانبها المشروع الوطني الفلسطيني الذي قاد العمل الوطني ضد الاحتلال الصهيوني قرابة ثلاثة عقود، حمل خلالها وخاصة في سنوات الأوج آمال شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية في التحرير والعودة وطرد الصهاينة المحتلين، ونال هذا المشروع -بسبب ذلك- قدراً كبيراً من التأييد والتفاعل الجماهيري وصور المشاركة والعطاء الواسعة، فضلاً عن جملة الظروف العامة التي خدمته إثر هزيمة 1967 وساعدت في تكريس شرعيته الرسمية فضلاً عن الشعبية، لكن هذا المشروع ما لبث أن انحسر انحساراً كبيراً، وتراجع بصورة واضحة بل صارخة، من رافعة لشعبنا وأمتنا إلى عبء حقيقي عليها، ومن حمل الآمال والأهداف الكبرى في تحرير كامل فلسطين وعودة شعبها إليها وامتلاك الحرية والسيادة والاستقلال الحقيقي إلى حالة التقزم والاختزال والتراجع والتفريط الراهنة بحيث لم يعد من أهداف ذلك المشروع إلا الأطلال والفتات مع النحت والاختزال الدائمين فيها بحيث لم يعد ثمة نهاية للقاع السحيق!
أما أسباب ذلك الانحسار، فلا شك أن الظروف الموضوعية التي تلاحقت على مسيرة القضية عبر مراحلها المتأخرة كانت قاسية وقاسية جداً، وتعرض المشروع الوطني الفلسطيني خلالها إلى ضغوط ومؤامرات عديدة، ونشأ عن ذلك حجم كبير من الخسارة والنزيف والتضحيات والضحايا.
ولكن العوامل الذاتية، من داخل المشروع نفسه، كان لها التأثير الأكبر فيما آلت إليه هذه النهايات المؤلمة ولعل أهم هذه العوامل هي:
1- تراجع المؤسسية القيادية والديمقراطية الحقيقية ومن ثم غيابها شبه الكامل رغم بقاء الشكل والصورة، وحصل هذا التراجع لصالح الدكتاتورية وقيادة الفرد وتمركز أعلى الصلاحيات وأدناها في يده، وفي ظل ذلك تاهت البوصلة وضلت المسيرة وغابت المعايير الوطنية ومحددات المصلحة العامة عن رسم الأهداف والمواقف والممارسات، لتتحكم فيها عناصر الهوى والمزاج والمصالح الشخصية بل إلى درجة أسوأ حين أصبحت مصالح عدونا ومتطلباته الأمنية وأولويات أجندته هي التي لها موضع الاعتبار والاحترام والمؤثر الأكبر في رسم مسارات قضيتنا وصياغة السياسات والمواقف!
2- استشراء الفساد المالي والتنظيمي والأخلاقي، وتكون طبقات نفعية كثرت الأحاديث حول ثرائها الفاحش وسلوكياتها المدمرة، كل ذلك شكّل داخلياً في المشروع الوطني وأفقده مصداقيته أمام كوادره العاملة فضلاً عن شعبه وأمته.
3- التيه الفكري الذي انعكس سلباً على هوية المعركة وجوهرها الحقيقي، فخسر المشروع الوطني جزءاً كبيراً ومهماً من المحرض الحقيقي لجماهير الشعب وما يثير نبضها ووجدانها، كما خسر عمقه الإسلامي الشعبي الأوسع.
4- الدخول في معارك جانبية عديدة خارج سياق القضية ومتطلباتها، مما فرض على المشروع الوطني نزيفاً متواصلاً وخسارة كبيرة في غير مكانها. صحيح أن بعض هذه المعارك فرضت على المشروع الوطني الفلسطيني من الآخرين في سياق مواجهته واستدراجه وضربه، ولكن الممارسات الخاطئة لبعض أطراف هذا المشروع والاستجابة للشراك الخادمة ولمحاولات الاستدراج دفعها إلى معارك كانت في غنى عنها.
5- تقزيم القضية وسلخها من إطارها الإسلامي ثم العربي، واتباع سياسات الانسلاخ والتفرد عن سياق الأمة، لتجد القيادة المتنفذة للمشروع الوطني الفلسطيني نفسها في النهاية محصورة في التعامل مع العدو الصهيوني نفسه ورهينة ضعيفة بين يديه.
ولعل هذه الإشارات السريعة تكفي، إذ أن تحليل عوامل الانحسار مهمة أوسع وأكبر من ذكرها عبر صفحات الصحف.
2-في اعتقادي ورؤيتي أن أولويات المشروع الصهيوني وأهدافه الأساسية لم تتغير، فالسيطرة الكاملة على الأرض، وتهجير الشعب الفلسطيني ونفيه، وبناء الدولة الصهيونية، وتحقيق الهيمنة السياسية والاقتصادية على المنطقة ونهب ثرواتها وتمزيق كياناتها وإثارة النعرات والتجزئات فيها، كل ذلك لم يتغير.. حتى حلم الصهاينة في التوسع لإقامة إسرائيل الكبرى على مساحة واسعة في المنطقة ليس هناك ما يؤكد أنه تغير، ومجرد إقامة اتفاقيات سلام والحديث عن التطبيع والتعايش لا يعني تراجعاً عن ذلك الحلم، خاصة في ضوء النتائج العملية المريرة لتلك الاتفاقيات ومشاريع التعايش.
الذي تغير في تقديري، أو بالأصح تطور وأخذ أشكالاً جديدة هو الأساليب والتكتيكات والمناورات والتي وصلت إلى حد توقف الحديث عند الصهاينة عن التوسع العسكري لصالح الحديث عن التطبيع والتعايش والسلام.. ولكن ذلك مرتبط بالوسائل والتكتيك وليس بالأهداف والاستراتيجية. ولعل مرد ذلك أن المشروع الصهيوني وجد نفسه أمام مفاجأتين أو حقيقتين شكلتا عقبتين كبيرتين أمام تقدمه.. أولاهما هو صمود الشعب الفلسطيني وإصراره على التمسك بهويته وحقوقه والدفاع عنها، وقدرته على مواصلة المقاومة عقوداً طويلة واجتراح أشكال عديدة من النضال. وثاني تلك الحقائق والمفاجآت هي حالة النهوض الإسلامي الواسعة في الأمة وحضورها الجهادي الفاعل في مقاومة المشروع الصهيوني. وقد وجدت القيادة الصهيونية خاصة (حزب العمل) أن استمرارها في التعبير الصارخ عن مطامعها وأهدافها الحقيقية يزيد من استفزاز الشعب والأمة واستخراج مكنونات التحدي والمقاومة فيهما، ولذلك لجأت تلك القيادة الصهيونية إلى أساليب التوائية مخادعة تتذرع بالمهادنة الشكلية والتعايش والسلام الكاذب مخفية خلف ذلك الأهداف الحقيقية المعروفة للمشروع الصهيوني.
3-لا شك أن الاتفاقيات التي تم توقيعها بين عدة أطراف فلسطينية وعربية مع الكيان الصهيوني أضعفت من الموقف الفلسطيني والعربي عموماً في مواجهة المشروع الصهيوني، وشكلت ثغرات في جدار المواجهة، وعملت على كسر الحاجز النفسي بين الأمة والكيان الصهيوني كما أسهمت في تفتيت موقف الأمة وتجزئته أمام العدو المشترك، ومن ثم سمحت للعدو بالدخول عبر تلك الثغرات إلى عمقنا وممارسة كل أشكال الإفساد والتدمير وإشاعة الفرقة والخلافات وتفتيت الموقف الفلسطيني والعربي، وشكلت له جسراً لفرض استراتيجية في الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية على المنطقة كبديل مرحلي عن استراتيجية التوسع والاحتلال العسكري المباشر.
بل إن تلك الاتفاقيات وفي سياق منطوقها وفلسفتها وضع الصراع بين الأمة والمشروع الصهيوني خارج سياقه الطبيعي وبعيداً عن إطاره الحقيقي، وعملت على إعادة ترتيب مفردات الصراع لتشكل بها صورة أخرى مغايرة تماماً لطبيعة المعركة.. واستعاضت عن معايير ومنطلقات الجغرافيا والتاريخ والدين والعروبة ووحدة المشاعر والأهداف في إطار الأمة العربية والإسلامية، بمعايير جديدة مفرداتها الدولار والمشاريع الاقتصادية المشتركة والسوق الشرق أوسطية والتعاون الإقليمي، وكأن الصهيوني ليس إلا جزءاً طبيعياً من كيان الأمة والمنطقة.
لكن رغم ذلك فإن مثل تلك الاتفاقيات هي أضعف من أن تشطب حقائق الصراع الراسخة، وأعجز من أن تقضي على ذاكرة شعبنا وأمتنا وقيمها ووجدانها وعلى تاريخها ورصيد تجاربها الطويلة.
4-باختصار شديد فإن الخاص الوطني والعام القومي والإسلامي كذلك لا يمكن إلا أن يمتزجا ويتعاضدا ويتكاملا في مواجهة المشروع الصهيوني، ولا مجال أبداً للتناقض أو التفاضل أو الانفراد، ولعل تجارب العقود الماضية تؤكد عمق هذه الحقيقة وخطورة أي سياسة أو موقف أو سلوك يقوم على التباعد أو التناقض بينها. وأحسب أن رصيد التجربة ومعاناتها المريرة كاف لإقناع الجميع بضرورة الاتجاه نحو التعاون والتنسيق والترابط الأصيل لتشكيل جبهة عريضة واحدة تحشد في إطارها جهود الأمة وإمكاناتها كافة لمواجهة المشروع الصهيوني المتسلح بدعم استعماري عالمي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
5-إن الممارسات الصهيونية الصارخة اليوم بإرهابها وعدوانها واستفزازها، وإن الحالة المؤلمة التي آل إليها الوضع الفلسطيني والعربي في ظل تجارب ومحاولات البعض للسير في طريق التسوية السلمية العبثية، إن ذلك كله لم يدع مجالاً للحيرة في البحث عن الخروج من المأزق.. المطلوب بكل وضوح وضع استراتيجية فلسطينية وعربية وإسلامية جادة وشاملة للصمود في مواجهة الضغط الصهيوني وممارساته العدوانية ورفض الخضوع لإرادة الصهاينة أو الإدارة الأمريكية، وبناء إمكانات وأسس المواجهة مع المشروع الصهيوني بحيث تتوزع مسؤوليتها كل الأطراف في إطار الأمة، مع تواصل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، والسعي بجدية وصدق من جميع الأطراف إلى مزيد من تنسيق الجهود وتكاملها وتوحيدها بحيث تنتظم جميعاً في إطار جبهة واسعة قادرة على التصدي للمشروع الصهيوني المتحفز والمتقدم لسحق الأمة عبر محاور عديدة.
آمل من الجميع أن يعي هذه الحقائق وأن يتصرف الجميع بناء عليها وباستشعار عال للمسؤولية في هذه المرحلة التاريخية الحرجة من تاريخ الأمة، وإني لأرى مبشرات عديدة في الواقع تشير إلى أن الأمل كبير وأن الأمة قادرة على انتزاع حقوقها ووضع حد للغطرسة الصهيونية بإذن الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
1-لم تكن هزيمة الأمة أمام المشروع الصهيوني في عام 1948 (عام النكبة) هزيمة عابرة خارج السياق العام، وإنما جاءت في ظل ظروف وعوامل ذاتية وموضوعية لم تكن لتقود إلى غير تلك النتيجة، هذا على الرغم من حجم البطولات والتضحيات التي قدمها شعبنا الفلسطيني عبر ثوراته ومعاركه المتواصلة مع الاحتلال البريطاني والغزاة الصهاينة وعلى الرغم كذلك من إسهامات المجاهدين العرب والمسلمين الذين تدافعوا للدفاع عن فلسطين والذود عن عروبتها وإسلاميتها.
كانت الأمة -رغم بواكير النهوض والثورة على الاستعمار- لا تزال تعاني حالة الانحطاط والتراجع التاريخي في مسيرتها، فضلاً عن حالة التمزق والتجزئة التي أوجدها الاستعمار في بلادنا، كما أن إرادة القتال الحقيقية كانت غائبة في الصف العربي، ولم تكن الدول العربية آنذاك بمستوى المعركة ولا بحجمها، بينما كان الطرف الصهيوني متحفزاً مستجمعاً لكل طاقته، حاشداً خلفه تأييداً ظالماً من الدول الاستعمارية الكبرى آنذاك..
ونشأت في تلك الفترة مقاومة إسلامية وطنية فلسطينية وعربية، لكن المعارك كانت أكبر منها وكانت الظروف الموضوعية أقوى من إمكاناتها الذاتية.
ثم تبلورت في ظلها وعلى امتداداتها وإلى جانبها المشروع الوطني الفلسطيني الذي قاد العمل الوطني ضد الاحتلال الصهيوني قرابة ثلاثة عقود، حمل خلالها وخاصة في سنوات الأوج آمال شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية في التحرير والعودة وطرد الصهاينة المحتلين، ونال هذا المشروع -بسبب ذلك- قدراً كبيراً من التأييد والتفاعل الجماهيري وصور المشاركة والعطاء الواسعة، فضلاً عن جملة الظروف العامة التي خدمته إثر هزيمة 1967 وساعدت في تكريس شرعيته الرسمية فضلاً عن الشعبية، لكن هذا المشروع ما لبث أن انحسر انحساراً كبيراً، وتراجع بصورة واضحة بل صارخة، من رافعة لشعبنا وأمتنا إلى عبء حقيقي عليها، ومن حمل الآمال والأهداف الكبرى في تحرير كامل فلسطين وعودة شعبها إليها وامتلاك الحرية والسيادة والاستقلال الحقيقي إلى حالة التقزم والاختزال والتراجع والتفريط الراهنة بحيث لم يعد من أهداف ذلك المشروع إلا الأطلال والفتات مع النحت والاختزال الدائمين فيها بحيث لم يعد ثمة نهاية للقاع السحيق!
أما أسباب ذلك الانحسار، فلا شك أن الظروف الموضوعية التي تلاحقت على مسيرة القضية عبر مراحلها المتأخرة كانت قاسية وقاسية جداً، وتعرض المشروع الوطني الفلسطيني خلالها إلى ضغوط ومؤامرات عديدة، ونشأ عن ذلك حجم كبير من الخسارة والنزيف والتضحيات والضحايا.
ولكن العوامل الذاتية، من داخل المشروع نفسه، كان لها التأثير الأكبر فيما آلت إليه هذه النهايات المؤلمة ولعل أهم هذه العوامل هي:
1- تراجع المؤسسية القيادية والديمقراطية الحقيقية ومن ثم غيابها شبه الكامل رغم بقاء الشكل والصورة، وحصل هذا التراجع لصالح الدكتاتورية وقيادة الفرد وتمركز أعلى الصلاحيات وأدناها في يده، وفي ظل ذلك تاهت البوصلة وضلت المسيرة وغابت المعايير الوطنية ومحددات المصلحة العامة عن رسم الأهداف والمواقف والممارسات، لتتحكم فيها عناصر الهوى والمزاج والمصالح الشخصية بل إلى درجة أسوأ حين أصبحت مصالح عدونا ومتطلباته الأمنية وأولويات أجندته هي التي لها موضع الاعتبار والاحترام والمؤثر الأكبر في رسم مسارات قضيتنا وصياغة السياسات والمواقف!
2- استشراء الفساد المالي والتنظيمي والأخلاقي، وتكون طبقات نفعية كثرت الأحاديث حول ثرائها الفاحش وسلوكياتها المدمرة، كل ذلك شكّل داخلياً في المشروع الوطني وأفقده مصداقيته أمام كوادره العاملة فضلاً عن شعبه وأمته.
3- التيه الفكري الذي انعكس سلباً على هوية المعركة وجوهرها الحقيقي، فخسر المشروع الوطني جزءاً كبيراً ومهماً من المحرض الحقيقي لجماهير الشعب وما يثير نبضها ووجدانها، كما خسر عمقه الإسلامي الشعبي الأوسع.
4- الدخول في معارك جانبية عديدة خارج سياق القضية ومتطلباتها، مما فرض على المشروع الوطني نزيفاً متواصلاً وخسارة كبيرة في غير مكانها. صحيح أن بعض هذه المعارك فرضت على المشروع الوطني الفلسطيني من الآخرين في سياق مواجهته واستدراجه وضربه، ولكن الممارسات الخاطئة لبعض أطراف هذا المشروع والاستجابة للشراك الخادمة ولمحاولات الاستدراج دفعها إلى معارك كانت في غنى عنها.
5- تقزيم القضية وسلخها من إطارها الإسلامي ثم العربي، واتباع سياسات الانسلاخ والتفرد عن سياق الأمة، لتجد القيادة المتنفذة للمشروع الوطني الفلسطيني نفسها في النهاية محصورة في التعامل مع العدو الصهيوني نفسه ورهينة ضعيفة بين يديه.
ولعل هذه الإشارات السريعة تكفي، إذ أن تحليل عوامل الانحسار مهمة أوسع وأكبر من ذكرها عبر صفحات الصحف.
2-في اعتقادي ورؤيتي أن أولويات المشروع الصهيوني وأهدافه الأساسية لم تتغير، فالسيطرة الكاملة على الأرض، وتهجير الشعب الفلسطيني ونفيه، وبناء الدولة الصهيونية، وتحقيق الهيمنة السياسية والاقتصادية على المنطقة ونهب ثرواتها وتمزيق كياناتها وإثارة النعرات والتجزئات فيها، كل ذلك لم يتغير.. حتى حلم الصهاينة في التوسع لإقامة إسرائيل الكبرى على مساحة واسعة في المنطقة ليس هناك ما يؤكد أنه تغير، ومجرد إقامة اتفاقيات سلام والحديث عن التطبيع والتعايش لا يعني تراجعاً عن ذلك الحلم، خاصة في ضوء النتائج العملية المريرة لتلك الاتفاقيات ومشاريع التعايش.
الذي تغير في تقديري، أو بالأصح تطور وأخذ أشكالاً جديدة هو الأساليب والتكتيكات والمناورات والتي وصلت إلى حد توقف الحديث عند الصهاينة عن التوسع العسكري لصالح الحديث عن التطبيع والتعايش والسلام.. ولكن ذلك مرتبط بالوسائل والتكتيك وليس بالأهداف والاستراتيجية. ولعل مرد ذلك أن المشروع الصهيوني وجد نفسه أمام مفاجأتين أو حقيقتين شكلتا عقبتين كبيرتين أمام تقدمه.. أولاهما هو صمود الشعب الفلسطيني وإصراره على التمسك بهويته وحقوقه والدفاع عنها، وقدرته على مواصلة المقاومة عقوداً طويلة واجتراح أشكال عديدة من النضال. وثاني تلك الحقائق والمفاجآت هي حالة النهوض الإسلامي الواسعة في الأمة وحضورها الجهادي الفاعل في مقاومة المشروع الصهيوني. وقد وجدت القيادة الصهيونية خاصة (حزب العمل) أن استمرارها في التعبير الصارخ عن مطامعها وأهدافها الحقيقية يزيد من استفزاز الشعب والأمة واستخراج مكنونات التحدي والمقاومة فيهما، ولذلك لجأت تلك القيادة الصهيونية إلى أساليب التوائية مخادعة تتذرع بالمهادنة الشكلية والتعايش والسلام الكاذب مخفية خلف ذلك الأهداف الحقيقية المعروفة للمشروع الصهيوني.
3-لا شك أن الاتفاقيات التي تم توقيعها بين عدة أطراف فلسطينية وعربية مع الكيان الصهيوني أضعفت من الموقف الفلسطيني والعربي عموماً في مواجهة المشروع الصهيوني، وشكلت ثغرات في جدار المواجهة، وعملت على كسر الحاجز النفسي بين الأمة والكيان الصهيوني كما أسهمت في تفتيت موقف الأمة وتجزئته أمام العدو المشترك، ومن ثم سمحت للعدو بالدخول عبر تلك الثغرات إلى عمقنا وممارسة كل أشكال الإفساد والتدمير وإشاعة الفرقة والخلافات وتفتيت الموقف الفلسطيني والعربي، وشكلت له جسراً لفرض استراتيجية في الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية على المنطقة كبديل مرحلي عن استراتيجية التوسع والاحتلال العسكري المباشر.
بل إن تلك الاتفاقيات وفي سياق منطوقها وفلسفتها وضع الصراع بين الأمة والمشروع الصهيوني خارج سياقه الطبيعي وبعيداً عن إطاره الحقيقي، وعملت على إعادة ترتيب مفردات الصراع لتشكل بها صورة أخرى مغايرة تماماً لطبيعة المعركة.. واستعاضت عن معايير ومنطلقات الجغرافيا والتاريخ والدين والعروبة ووحدة المشاعر والأهداف في إطار الأمة العربية والإسلامية، بمعايير جديدة مفرداتها الدولار والمشاريع الاقتصادية المشتركة والسوق الشرق أوسطية والتعاون الإقليمي، وكأن الصهيوني ليس إلا جزءاً طبيعياً من كيان الأمة والمنطقة.
لكن رغم ذلك فإن مثل تلك الاتفاقيات هي أضعف من أن تشطب حقائق الصراع الراسخة، وأعجز من أن تقضي على ذاكرة شعبنا وأمتنا وقيمها ووجدانها وعلى تاريخها ورصيد تجاربها الطويلة.
4-باختصار شديد فإن الخاص الوطني والعام القومي والإسلامي كذلك لا يمكن إلا أن يمتزجا ويتعاضدا ويتكاملا في مواجهة المشروع الصهيوني، ولا مجال أبداً للتناقض أو التفاضل أو الانفراد، ولعل تجارب العقود الماضية تؤكد عمق هذه الحقيقة وخطورة أي سياسة أو موقف أو سلوك يقوم على التباعد أو التناقض بينها. وأحسب أن رصيد التجربة ومعاناتها المريرة كاف لإقناع الجميع بضرورة الاتجاه نحو التعاون والتنسيق والترابط الأصيل لتشكيل جبهة عريضة واحدة تحشد في إطارها جهود الأمة وإمكاناتها كافة لمواجهة المشروع الصهيوني المتسلح بدعم استعماري عالمي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
5-إن الممارسات الصهيونية الصارخة اليوم بإرهابها وعدوانها واستفزازها، وإن الحالة المؤلمة التي آل إليها الوضع الفلسطيني والعربي في ظل تجارب ومحاولات البعض للسير في طريق التسوية السلمية العبثية، إن ذلك كله لم يدع مجالاً للحيرة في البحث عن الخروج من المأزق.. المطلوب بكل وضوح وضع استراتيجية فلسطينية وعربية وإسلامية جادة وشاملة للصمود في مواجهة الضغط الصهيوني وممارساته العدوانية ورفض الخضوع لإرادة الصهاينة أو الإدارة الأمريكية، وبناء إمكانات وأسس المواجهة مع المشروع الصهيوني بحيث تتوزع مسؤوليتها كل الأطراف في إطار الأمة، مع تواصل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، والسعي بجدية وصدق من جميع الأطراف إلى مزيد من تنسيق الجهود وتكاملها وتوحيدها بحيث تنتظم جميعاً في إطار جبهة واسعة قادرة على التصدي للمشروع الصهيوني المتحفز والمتقدم لسحق الأمة عبر محاور عديدة.
آمل من الجميع أن يعي هذه الحقائق وأن يتصرف الجميع بناء عليها وباستشعار عال للمسؤولية في هذه المرحلة التاريخية الحرجة من تاريخ الأمة، وإني لأرى مبشرات عديدة في الواقع تشير إلى أن الأمل كبير وأن الأمة قادرة على انتزاع حقوقها ووضع حد للغطرسة الصهيونية بإذن الله.
مواضيع مماثلة
» النكبة والفريق سعدالدين -2-
» النكبة ونايف حواتمة -1-
» النكبة ونايف حواتمة-2-
» النكبة فيديو*مع هيكل*
» محمد حسين فضل الله - النكبة-
» النكبة ونايف حواتمة -1-
» النكبة ونايف حواتمة-2-
» النكبة فيديو*مع هيكل*
» محمد حسين فضل الله - النكبة-
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى