مفهوم العدوان
صفحة 1 من اصل 1
مفهوم العدوان
لهذه الكلمة معان مختلفة. فهي تستعمل في القانون الدولي وفي المنظمات الدولية كمفهوم وكشكل من السلوك المُحرَّم. ولقد دُرِس هذا المفهوم من قبل العديد من علماء المجتمع ولا سيما من قبل علماء النفس وعلماء النفس الاجتماعي. وتستخدم هذه الكلمة أيضاً في الخطاب والنقاش السياسيين ولها عادة معنى ازدرائي يقترن بالإدانة والشجب. وسيتم التركيز إلى حد كبير على السياقين الأولين في تناول معنى هذا المصطلح.
أولاً، في مجال القانون، يستعمل هذا المصطلح للتفريق بين الحروب العادلة
وغير العادلة وبين القوة المشروعة وغير المشروعة.
وهو يشير بشكل عام إلى هجوم غير شرعي وغير مبرر وغير لائق أو غير أخلاقي أو إلى تدخل دولة، أو عملائها في شؤون دولة أخرى. وبهذا المعنى فهو "هجومي" وليس "دفاعياً"، مع أن مفهوم الضربة الوقائية يمكن أن يضفي الإبهام حتى على هذا التفريق. ويجري عادة التمييز بين العدوان "المباشر" (مثل هجوم اليابان على بيرل هاربور عام 1941) والعدوان "غير المباشر" (مثل تحليق طائرات التجسس الأمريكية يو2 (U2) فوق أراضي الاتحاد السوفياتي بين 1955 و1960). كما أنه قد لا يقتصر في الاستعمال الدولي الرائج على الأعمال العسكرية الصريحة أو الضمنية كما في الأمثلة آنفة الذكر، بل قد يأخذ شكل تدابير اقتصادية من قبل دول ضد دول أخرى (مثل الحصار أو المقاطعة).
لكن صعوبة التعريف والغياب الواضح لمعيار دولي عام لم يحل دون استخدامه كمفهوم مركزي في نظريات التغيير السلمي. وانطلاقاً من أن القانون الدولي قد حاول تنظيم سلوك الدول ووضع أساليب متفق عليها عالمياً في تعزيز المصالح الوطنية فقد بذلت الجهود منذ بداية نظام الدولة لوصف وبالتالي لتحريم "العدوان". أما نظريات القرون الوسطى المتعلقة بالحرب العادلة فيمكن رؤيتها بوصفها خطوات متعثرة في هذا الاتجاه. ويمكن، بمعنى ما، اعتبار أن القانون الدولي قد كان دائماً معنياً بهذه القضية، إلا أنه لم تبذل جهود واعية من جانب المجتمع الدولي لتحديده وبالتالي إلغاء وقوعه إلا بعد الآثار الكارثية التي أحدثتها الحرب العالمية الأولى. وقد استند ميثاق عصبة الأمم، بتأكيده على مبدأ الأمن الجماعي، على الاعتقاد بأن (أ) العدوان يمكن تحديده بسهولة و(ب) يمكن لبقية المجتمع الدولي، بالتضافر، أن تهب ضد المعتدين. لكن هذين الافتراضين لم تثبت صحتهما، ويتفق الجميع على أن العصبة كانت تتخبط، على الأقل جزئياً، بسبب عدم قدرتها على معالجة هذه المشكلة. لقد كان إغفال تعريف العدوان في ميثاق الأمم المتحدة وإسناد مهمة تحديد حصوله إلى مجلس الأمن، كان اعترافاً ضمنياً من جانب الذين وضعوه بالحاجة إلى واقعية سياسية في المنظمة الجديدة. إن "الأعمال العدوانية" هي التي يقرر المجلس أنها عدوانية. وهكذا فإن اجتياح كوريا الجنوبية من قبل كوريا الشمالية في يونيو 1950، في غياب المندوب السوفياتي، اعتبر أنه يقع ضمن هذه الفئة العدوانية.
وعدا عن هذه المؤسسات الدولية، فقد جرت أشمل محاولة لوضع تعريف للعدوان عام 1933 من قبل ليتفينوف (Litvinov) وزير الخارجية السوفياتي
وذلك في المؤتمر المعني بتعريف العدوان. فانطلاقاً من هذا الرأي يحدث العدوان في أي من الحالات التالية: (أ) إعلان الحرب ضد دولة أخرى، (ب) اجتياح مسلح لأراضي دولة أخرى، دون إعلان الحرب، (حـ) القيام بهجوم، دون إعلان الحرب، على أراضي دولة أخرى أو على سفنها أو طائراتها، (د) القيام بحصار بحري لموانئ أو ساحل دولة أخرى، (هـ) تقديم المساعدة لعصابات مسلحة داخل دولة أخرى ورفض اتخاذ جميع التدابير الممكنة على أراضيها لتجريد العصابات المسلحة من المساعدة والحماية. ولم يوجد تعريف محدد بهذا الشكل للعدوان منذ 1933. وقد أصبح أكثر غموضاً في غضون الحرب الباردة اعتباراً من عام 1946 فصاعداً، حين أصبح المصطلح موضع منافسة ايديولوجية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
وهكذا فعدا التعريف القانوني العام للعدوان (اللجوء إلى الحرب أو التدابير أو القسر المسلح مما يتم الاضطلاع به انتهاكاً لالتزامات المعاهدات)، فإن هذا المصطلح يستعصي على تحديد أكثر دقة. بل إن المصطلح والظواهر التي يصفها مستوطنة في النظام الفوضوي الذي تتمثل أهم سمة له بتفسير محاط بحراسة شديدة وبالتساهل لمبدأ السيادة. لذا فإن المحاولات الرامية إلى تعريف وبالتالي تقييد حدوثه مرتبطة لا محالة بدرجة التماسك التي يحققها المجتمع الدولي.
ثانياً، يمكن تقسيم مقاربة العلوم الاجتماعية للعدوان، بشكل عام، إلى أولئك الذين يحبذون نظرية غريزية للعدوان وأولئك الذين يحبذون نظرية تعلم للعدوان. تقول نظرية الغريزة إن الإنسان عدواني بالفطرة، في حين أن نظرية التعلم تقول إن العدوان هو استجابة لأوضاع مختلفة يواجهها الأفراد منذ طفولتهم. وقد اهتمت جميع العلوم الاجتماعية والعلوم التطبيقية، مثل علم الجريمة، بالمفهوم وتعريفه وأسبابه ومظاهره. ثم إن العلوم الاجتماعية تميز بين العدوان كموقف أو استعداد فطري والعدوان كسلوك. وهكذا قد لا يقوم شخص ما يشعر بالعدوانية بالتعبير عنها بشكل صريح مباشر، أو قد ينقل أو يسقط ذلك العدوان على شيء بديل.
وفي منعطف القرن تحدث فرويد عن دافع إلى الموت (thanatos) – كجزء متأصل في الطبيعة البشرية. بناء على ذلك اعتبر العدوان غريزة. وقد استأثرت هذه الفكرة القوية ولكن الخاطئة بتفكير الناس حول العدوان منذ ذلك الحين. فعدا عن ضرورة معالجة مفهوم الغريزة بحذر شديد، فإن معظم المنخرطين في العلوم الاجتماعية يرفضون المقاربات الفرويدية الجديدة للعدوان. وقد دل بحث هام نشر في ثلاثينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة على أن العدوان يمكن اعتباره مرتبطاً بمقدار الإحباط الذي عاناه الفرد. ولقد تم الآن تعديل الموقف الدوغماتي للعاملين في مجال العلوم الاجتماعية من عدوان الإحباط حيث يفضل الباحثون اعتبار الإحباط محرضاً على العدوان. وفي الفترة الأقرب عهداً بنى العاملون في مجال العلوم الاجتماعية على هذه الأفكار ليبينوا أن الكثير من العدوان يتم تعلّمه كنتيجة للانخراط في الحياة والأنشطة الاجتماعية. وهكذا ينظر إلى العدوان بأنه وسيلي (ذرائعي) لا غريزي. فمعظم الأنظمة الاجتماعية تميل إلى تشجيع السلوك الذي يؤكد الذات والقادر على المنافسة في حين أن أشكال العدوان الشعائرية – على سبيل المثال في الرياضة التنافسية – تُكافَأ مادياً ومن حيث المركز الاجتماعي.
من الصعب، استناداً إلى السلوك الفردي، استقراء بواعث للقيام بأنواع من العنف ضمن وفيما بين المجتمعات والذي يمكن تسميته صراعاً اجتماعياً. ثم إن دراسات الجنود المحاربين قد دلت على أن إطاعة السلطة و/أو مشاعر التضامن مع الجنود الزملاء هي بواعث أقوى من العدوان في تفسير السبب الذي يجعل الناس مستعدين للقتل في ساحة القتال. لقد جعلت التكنولوجيا الحديثة القتل أكثر كفاءة وأبعد مسافة. كما أنها فصلت القرار السياسي بخوض الحرب عن قرار القيام بالقتل أو التعرض للقتل. وعلاوة على ذلك، فإن من شأن دراسة صنع القرار في العلاقات الدولية أن تدل على أن القرار الفعلي بخوض الحرب لا يمكن تفسيره تفسيراً ملائماً من خلال نظريات العدوان. وقد تكون الأوضاع الذهنية السيكولوجية على الدرجة نفسها من الأهمية، كما أنه لا يمكن إغفال العوامل الثقافية والاجتماعية والبيئية
المصدر:قاموس بنغوين
أولاً، في مجال القانون، يستعمل هذا المصطلح للتفريق بين الحروب العادلة
وغير العادلة وبين القوة المشروعة وغير المشروعة.
وهو يشير بشكل عام إلى هجوم غير شرعي وغير مبرر وغير لائق أو غير أخلاقي أو إلى تدخل دولة، أو عملائها في شؤون دولة أخرى. وبهذا المعنى فهو "هجومي" وليس "دفاعياً"، مع أن مفهوم الضربة الوقائية يمكن أن يضفي الإبهام حتى على هذا التفريق. ويجري عادة التمييز بين العدوان "المباشر" (مثل هجوم اليابان على بيرل هاربور عام 1941) والعدوان "غير المباشر" (مثل تحليق طائرات التجسس الأمريكية يو2 (U2) فوق أراضي الاتحاد السوفياتي بين 1955 و1960). كما أنه قد لا يقتصر في الاستعمال الدولي الرائج على الأعمال العسكرية الصريحة أو الضمنية كما في الأمثلة آنفة الذكر، بل قد يأخذ شكل تدابير اقتصادية من قبل دول ضد دول أخرى (مثل الحصار أو المقاطعة).
لكن صعوبة التعريف والغياب الواضح لمعيار دولي عام لم يحل دون استخدامه كمفهوم مركزي في نظريات التغيير السلمي. وانطلاقاً من أن القانون الدولي قد حاول تنظيم سلوك الدول ووضع أساليب متفق عليها عالمياً في تعزيز المصالح الوطنية فقد بذلت الجهود منذ بداية نظام الدولة لوصف وبالتالي لتحريم "العدوان". أما نظريات القرون الوسطى المتعلقة بالحرب العادلة فيمكن رؤيتها بوصفها خطوات متعثرة في هذا الاتجاه. ويمكن، بمعنى ما، اعتبار أن القانون الدولي قد كان دائماً معنياً بهذه القضية، إلا أنه لم تبذل جهود واعية من جانب المجتمع الدولي لتحديده وبالتالي إلغاء وقوعه إلا بعد الآثار الكارثية التي أحدثتها الحرب العالمية الأولى. وقد استند ميثاق عصبة الأمم، بتأكيده على مبدأ الأمن الجماعي، على الاعتقاد بأن (أ) العدوان يمكن تحديده بسهولة و(ب) يمكن لبقية المجتمع الدولي، بالتضافر، أن تهب ضد المعتدين. لكن هذين الافتراضين لم تثبت صحتهما، ويتفق الجميع على أن العصبة كانت تتخبط، على الأقل جزئياً، بسبب عدم قدرتها على معالجة هذه المشكلة. لقد كان إغفال تعريف العدوان في ميثاق الأمم المتحدة وإسناد مهمة تحديد حصوله إلى مجلس الأمن، كان اعترافاً ضمنياً من جانب الذين وضعوه بالحاجة إلى واقعية سياسية في المنظمة الجديدة. إن "الأعمال العدوانية" هي التي يقرر المجلس أنها عدوانية. وهكذا فإن اجتياح كوريا الجنوبية من قبل كوريا الشمالية في يونيو 1950، في غياب المندوب السوفياتي، اعتبر أنه يقع ضمن هذه الفئة العدوانية.
وعدا عن هذه المؤسسات الدولية، فقد جرت أشمل محاولة لوضع تعريف للعدوان عام 1933 من قبل ليتفينوف (Litvinov) وزير الخارجية السوفياتي
وذلك في المؤتمر المعني بتعريف العدوان. فانطلاقاً من هذا الرأي يحدث العدوان في أي من الحالات التالية: (أ) إعلان الحرب ضد دولة أخرى، (ب) اجتياح مسلح لأراضي دولة أخرى، دون إعلان الحرب، (حـ) القيام بهجوم، دون إعلان الحرب، على أراضي دولة أخرى أو على سفنها أو طائراتها، (د) القيام بحصار بحري لموانئ أو ساحل دولة أخرى، (هـ) تقديم المساعدة لعصابات مسلحة داخل دولة أخرى ورفض اتخاذ جميع التدابير الممكنة على أراضيها لتجريد العصابات المسلحة من المساعدة والحماية. ولم يوجد تعريف محدد بهذا الشكل للعدوان منذ 1933. وقد أصبح أكثر غموضاً في غضون الحرب الباردة اعتباراً من عام 1946 فصاعداً، حين أصبح المصطلح موضع منافسة ايديولوجية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
وهكذا فعدا التعريف القانوني العام للعدوان (اللجوء إلى الحرب أو التدابير أو القسر المسلح مما يتم الاضطلاع به انتهاكاً لالتزامات المعاهدات)، فإن هذا المصطلح يستعصي على تحديد أكثر دقة. بل إن المصطلح والظواهر التي يصفها مستوطنة في النظام الفوضوي الذي تتمثل أهم سمة له بتفسير محاط بحراسة شديدة وبالتساهل لمبدأ السيادة. لذا فإن المحاولات الرامية إلى تعريف وبالتالي تقييد حدوثه مرتبطة لا محالة بدرجة التماسك التي يحققها المجتمع الدولي.
ثانياً، يمكن تقسيم مقاربة العلوم الاجتماعية للعدوان، بشكل عام، إلى أولئك الذين يحبذون نظرية غريزية للعدوان وأولئك الذين يحبذون نظرية تعلم للعدوان. تقول نظرية الغريزة إن الإنسان عدواني بالفطرة، في حين أن نظرية التعلم تقول إن العدوان هو استجابة لأوضاع مختلفة يواجهها الأفراد منذ طفولتهم. وقد اهتمت جميع العلوم الاجتماعية والعلوم التطبيقية، مثل علم الجريمة، بالمفهوم وتعريفه وأسبابه ومظاهره. ثم إن العلوم الاجتماعية تميز بين العدوان كموقف أو استعداد فطري والعدوان كسلوك. وهكذا قد لا يقوم شخص ما يشعر بالعدوانية بالتعبير عنها بشكل صريح مباشر، أو قد ينقل أو يسقط ذلك العدوان على شيء بديل.
وفي منعطف القرن تحدث فرويد عن دافع إلى الموت (thanatos) – كجزء متأصل في الطبيعة البشرية. بناء على ذلك اعتبر العدوان غريزة. وقد استأثرت هذه الفكرة القوية ولكن الخاطئة بتفكير الناس حول العدوان منذ ذلك الحين. فعدا عن ضرورة معالجة مفهوم الغريزة بحذر شديد، فإن معظم المنخرطين في العلوم الاجتماعية يرفضون المقاربات الفرويدية الجديدة للعدوان. وقد دل بحث هام نشر في ثلاثينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة على أن العدوان يمكن اعتباره مرتبطاً بمقدار الإحباط الذي عاناه الفرد. ولقد تم الآن تعديل الموقف الدوغماتي للعاملين في مجال العلوم الاجتماعية من عدوان الإحباط حيث يفضل الباحثون اعتبار الإحباط محرضاً على العدوان. وفي الفترة الأقرب عهداً بنى العاملون في مجال العلوم الاجتماعية على هذه الأفكار ليبينوا أن الكثير من العدوان يتم تعلّمه كنتيجة للانخراط في الحياة والأنشطة الاجتماعية. وهكذا ينظر إلى العدوان بأنه وسيلي (ذرائعي) لا غريزي. فمعظم الأنظمة الاجتماعية تميل إلى تشجيع السلوك الذي يؤكد الذات والقادر على المنافسة في حين أن أشكال العدوان الشعائرية – على سبيل المثال في الرياضة التنافسية – تُكافَأ مادياً ومن حيث المركز الاجتماعي.
من الصعب، استناداً إلى السلوك الفردي، استقراء بواعث للقيام بأنواع من العنف ضمن وفيما بين المجتمعات والذي يمكن تسميته صراعاً اجتماعياً. ثم إن دراسات الجنود المحاربين قد دلت على أن إطاعة السلطة و/أو مشاعر التضامن مع الجنود الزملاء هي بواعث أقوى من العدوان في تفسير السبب الذي يجعل الناس مستعدين للقتل في ساحة القتال. لقد جعلت التكنولوجيا الحديثة القتل أكثر كفاءة وأبعد مسافة. كما أنها فصلت القرار السياسي بخوض الحرب عن قرار القيام بالقتل أو التعرض للقتل. وعلاوة على ذلك، فإن من شأن دراسة صنع القرار في العلاقات الدولية أن تدل على أن القرار الفعلي بخوض الحرب لا يمكن تفسيره تفسيراً ملائماً من خلال نظريات العدوان. وقد تكون الأوضاع الذهنية السيكولوجية على الدرجة نفسها من الأهمية، كما أنه لا يمكن إغفال العوامل الثقافية والاجتماعية والبيئية
المصدر:قاموس بنغوين
bellir laidi- عضو ممتاز
- عدد الرسائل : 177
تاريخ التسجيل : 14/02/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى