خطاب السيد ياسر عرفات،
صفحة 1 من اصل 1
خطاب السيد ياسر عرفات،
خطاب السيد ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة
التحرير الفلطسينية والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية،
امام الجمعية العامة للامم المتحدة.
نيويورك، 13/11/1974
(فلسطين الثورة، العدد 118، بيروت، 17/11/1974، ص7)
سيدي الرئيس،
أشكر لكم دعوتكم منظمة التحرير الفلسطينية لتشارك في هذه الدورة من دورات الجمعية العامة لهيئة الامم المتحدة. وأشكر كل الاعضاء المحترمين في هيئة الامم المتحدة الذين أسهموا في تقرير إدراج قضية فلسطين على جدول اعمال هذه الجمعية، وفي إصدار قرار بدعوتنا لعرض قضية فلسطين.
انها لمناسبة هامة ان يعود بحث قضية فلسطين الى هيئة الامم المتحدة. واننا نعتبر هذه الخطوة انتصاراً للمنظمة الدولية، كما هي انتصار لقضية شعبنا. وان ذلك يشكل مؤشراً جديداً على ان هيئة الامم اليوم ليست هيئة الامم بالامس، ذلك لان عالم اليوم ليس هو عالم الامس.
فقد اصبحت هيئة الامم اليوم تمثل 138 دولة، واصبحت تعكس، بصورة نسبية اوضح، إرادة المجموعة الدولية. ومن ثم، فقد اصبحت اكثر قدرة على تطبيق ميثاقها ومبادىء الاعلان العالمي لحقوق الانسان، واكثر قدرة على نصرة قضايا العدل والسلام.
وهذا ما بدأ يلمسه وتلمسه شعوب آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية، الامر الذي اخذ يعلي مكانة هذه المنظمة الدولية في عيون شعبنا وعيون بقية الشعوب، ويزيد من الآمال التي تعلقها شعوب العالم على مساهمة هيئة الامم المتحدة في نصرة قضايا السلم والعدل والحرية والاستقلال، وتشييد عالم خال من الاستعمار والامبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة اشكالها، بما فيها الصهيونية.
سيدي الرئيس،
اننا نعيش في عالم يطمح للسلام والعدل والمساواة والحرية، يطمح الى ان يرى الامم المظلومة، الرازحة تحت الاستعمار والاضطهاد العنصري ، وهي تمارس حريتها وحقها في تقرير المصير. يطمح الى ان يرى العلاقات الدولية بين الدول كافة تقوم على اساس المساواة والتعايش السلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتأمين السيادة الوطنية والاستقلال ووحدة الاراضى الاقليمية لكل دولة، واقامة علاقات اقتصادية على اساس العدل والتكافؤ والمنافع المتبادلة. يطمح لان تصب الجهود الانسانية على مكافحة الفقر والمجاعة والامراض والكوارث الطبيعية، وعلى تطوير القدرات الانتاجية والعلمية والتقنية للبشر لزيادة الثروات وتضييق الفروق بين الدول النامية والدول المتطورة. ولكن ذلك كله يصطدم بواقع عالمي ما زال يسوده الاضطراب والظلم والاضطهاد والاستغلال، وما زال مهدداً بالكوارث الاقتصادية والحروب والازمات.
ما زالت شعوب كثيرة، منها زمبابوي وناميبيا وجنوب افريقيا وفلسطين وغيرها، ضحية للعدوان والقهر والبطش. وتشهد تلك المناطق من العالم صراعاً مسلحاً فرضته قوى الاستعمار والتمييز العنصري ظلماً وارهاباً، فاضطرت الشعوب المضطهدة الى التصدي له، وكان تصديها عادلا ومشروعاً.
لا بد، يا حضرة الرئيس، من ان تسهم المجموعة الدولية في دعم هذه الشعوب ومساعدتها علي انتصار قضاياها العادلة ونيلها حقها في تقرير المصير.
وما زالت شعوب الهند الصينية تتعرض للعدوان، وتواجه المؤامرات لمنعها من إحلال السلام على ارضها وتحقيق اهدافها. فاذا كانت شعوب العالم قد رحبت بالاتفاق في لاوس، وباتفاقية السلام في جنوبي فيتنام، ما زال بعيداً عن ان يكون سلاماً حقيقياً لان القوى التي شنت العدوان تصر على بقاء فيتنام في الاضطراب والحرب. وكذلك ما زال الشعب الكمبودي يواجه عدواناً عسكرياً. لا بد، حضرة الرئيس، ان تسهم المجموعة الدولية في دعم هذه الشعوب وشجب المعتدين ومعكري السلام. وما زالت القضية الكورية بعيدة عن ان تحل حلا عادلا وسلمياً، رغم الموقف الايجابي السلمي الذي عبرت عنه المقترحات المقدمة من جمهورية كوريا الديمقراطية.
ولقد عشنا، قبل شهور، تفجر المشكلة القبرصية، وشاركنا في تحمل همومها مع شعوب العالم اجمع. ولا بد لهيئة الامم المتحدة ان تتابع جهودها للتوصل الى حل عادل للمشكل، يجنب الشعب القبرصي اهوال الحرب ويحفظ استقلاله. ولا شك في ان المشكلة القبرصية تدخل في هذا الاطار من هموم بلدان الشرق الاوسط والبحر الابيض المتوسط.
وما زالت دول آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية تواجه اعتداءات ضارية على نضالها من اجل تغيير النظام الاقتصادي العالمي الحالي، بنظام اقتصادي عالمي جديد اكثر معقولية ومنطقية. وقد عبرت هذه البلدان عن ذلك في مؤتمر المواد الاولية والتنمية، حيث لا بد من ان يوضع حد لعمليات النهب والاستغلال وامتصاص ثروات الشعوب الفقيرة وعرقلة جهودها من اجل التنمية والسيطرة على ثرواتها ورفع الحيف عن اسعار موادها الاولية.
وكذلك، فان هذه الدول ما زالت تواجه عراقيل امام مطالبها العادلة المعبر عنها في مؤتمر البحار في كراكاس، ومؤتمر السكان، ومؤتمر التغذية. ولا بد للهيئة الدولية من ان تقف بحزم الى جانب النضال من اجل إحداث تغييرات جذرية في النظام الاقتصادي العالمي، لان ذلك وحده يتيح للشعوب المتخلفة امكانية التقدم بسرعة. ولا بد لهذه الهيئة من ان تقف بحزم ضد القوى التي تحاول تحميل مسؤولية التضخم المالي على كاهل البلدان النامية، خاصة البلدان المنتجة للبترول، وان تشجب التهديدات التي تتعرض لها هذه البلدان بسبب مطالبها العادلة.
سيدي الرئيس،
ما زال السباق على التسلح على أشده في العالم، الامر الذي يهدد العالم بضياع ثرواته وتبديد جهوده على هذا السباق، فضلا عن إبقائه في خطر انفجارات مسلحة خطيرة. ان الحد من السباق على التسلح، وصولا الى تدمير الاسلحة النووية وتخصيص ما يصرف من مبالغ طائلة على مجالات التقنيات العسكرية في ميدان تقدم العلوم وزيادة الانتاج وتحقيق الرفاه للعالم، هذا ما تتوقع الشعوب ان تعمل هيئة الامم المتحدة باتجاهه. وما زال الاضطراب علي أشده في منطقتنا، فالكيان الصهيوني متشبث بالاراضي العربية التي احتلها، ويتابع عدوانه علينا، بجانب استعداداته العسكرية المحمومة لشن حرب عدوانية جديدة ستكون الخامسة من سلسلة حروبه العدوانية. ولنا ان نتحسب مع ما يصدر من اشارات عنه من ان تكون حرباً نووية تحمل الفناء والدمار.
سيدي الرئيس،
ان العالم بحاجة الى أقصى الجهود من اجل تحقيق مطامحه في السلم والحرية والعدل والمساواة والتنمية، وفي مكافحة الاستعمار والامبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة اشكالها، بما فيها الصهيونية، لان هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق آمال الشعوب كافة، بما في ذلك شعوب الدول التي تعارض هذا الطريق. انه طريق لتكريس مبادئ ميثاق هيئة الامم المتحدة، والاعلان العالمي لحقوق الانسان. اما بقاء الوضع الحالي فلن يفعل اكثر من ان يبقي العالم معرضاً لاخطر الصراعات المسلحة، للكوارث الاقتصادية والانسانية والطبيعية.
سيدي الرئيس،
رغم هذا الوضع المتأزم الذي يسود العالم، ورغم ما في عالمنا من قوى ظلام وتأخر، فان عالمنا اليوم يعيش اياماً مجيدة. انه يشهد انهيار العالم القديم، عالم الاستعمار والامبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية، بكافة اشكالها، وأبرزها الصهيونية، ويشهد الاتجاه التاريخي العظيم لشعوب العالم نحو انبثاق عالم جديد تنتصر فيه القضايا العادلة، واننا واثقون من انتصار هذه القضايا.
سيدي الرئيس،
ان قضية فلسطين تدخل كجزء هام بين القضايا العادلة التي تناضل في سبيلها الشعوب التي تعاني الاستعمار ،والاضطهاد. واذا كانت الفرصة قد اتيحت لي ان اعرضها امامكم، فانني لن أنسى ان مثل هذه الفرصة يجب ان تتاح لكل حركات التحرر المناضلة ضد العنصرية والاستعمار. ولهذا، فانني باسم هؤلاء المناضلين من اجل الحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، أدعوكم لان تعيروا قضاياهم، كما قضيتنا، من همومكم واهتمامكم الاولوية ذاتها، مما يشكل مرتكزاً اساسياً لحماية السلم في العالم وتكريس عالم جديد تعيش الشعوب في ظلاله بعيداً عن الاضطهاد والظلم والخوف والاستغلال. ولهذا، فانني سأعرض قضيتنا ضمن هذا الاطار، وفي سبيل هذا الهدف.
واننا، حين نتكلم من على هذا المنبر الدولي، فان ذلك تعبير في حد ذاته، عن ايماننا بالنضال السياسي والدبلوماسي، مجال معزز لنضالنا المسلح، وتعبير عن تقديرنا للدور الذي من الممكن للامم المتحدة ان تقوم به في حل المشكلات العالمية، بعد ان تغيرت بنيتها في صالح اماني الشعوب وفي حل مشكلتنا التي تتحمل فيها هذه المؤسسة الدولية مسؤولية خاصة.
ان شعبنا يتكلم وهو يتطلع الى المستقبل اكثر مما هو مقيد بمآسي الماضي واغلال الحاضر. واذا كنا، ونحن نتحدث عن الحاضر نعود الى الماضي، فلاننا نريد ان نوضح بداية الطريق الذي نشقه الى المستقبل المشرق مع كل شعوب العالم عامة، وحركات التحرر خاصة. واذا كنا نعود الى جذور قضيتنا، فلانه ما زال بين الحاضرين هنا من يحتل بيوتنا، ويرتع في حقولنا، ويقطف ثمار اشجارنا، ويدعي اننا أشباح لا وجود لها ولا تراث ولا مستقبل. ولان هنالك من كان يتصور، والى وقت قريب، وربما حتى الآن، أن مشكلتنا هي مشكلة لاجئين، او ان مشكلة الشرق الاوسط هى مشكلة خلاف على حدود بين الدول العربية وبين الكيان الصهيوني، او يتصور ان شعبنا يدعي حقوقاً ليست له ويقاتل دونما سبب معقول ومشروع إلا الرغبة في تعكير السلام وارهاب الآخرين. ولان هنالك بينكم، وأعني الولايات المتحدة الاميركية وغيرها، من يمون عدونا بطائراته وقنابله وكل أدوات الفتك والتدمير، ويقف منا موقف العداء، ويعمد الى تشويه حقيقة المشكلة، كل ذلك على حساب الشعب الاميركي، وعلى حساب رفاهيته، وعلى حساب الصداقة التي نتطلع اليها مع هذا الشعب العظيم الذي نكن له ولتجاربه في النضال من اجل حريته ووحدة أراضيه، كل تقدير.
وانني لأنتهز هذه المناسبة لأتوجه الى الشعب الاميركي وأخاطبه من مكاني هنا، ان يقف مع شعبنا الشجاع المناضل. ان يقف مع الحق والعدالة. ان يتذكر بطله جورج واشنطن الذي ناضل لاستقلال اميركا وحريتها، ويتذكر ابراهام لنكولن الذي وقف مع المحرومين والمعذبين، ويتذكر وصايا ويلسون الاربع عشرة والتي يتبناها شعبنا ايماناً بهذه المبادئ الانسانية العظيمة.
وأتوجه الى الشعب الاميركي وأتساءل: هل هذه التظاهرات المعادية التي تنطلق في الخارج هي وجهه الحقيقي، وما هي الجريمة التي ارتكبها شعبنا ضد الشعب الاميركي؟
لماذا هذا الوجه المعادي؟ هل هو لصالح اميركا؟ هل هو لصالح الجماهير الاميركية؟ حتماً لا. وأرجو ان يتذكر الشعب الاميركي ان صداقته مع أمتنا العربية هي اهم، وهي أبقى، وهي أنفع.
سيدي الرئيس،
ان شرحنا لجذور قضيتنا نابع من ايماننا بأن العودة الى اصول القضايا التي تشغل العالم أمر ضروري عند تلمس الحلول لها. وهذا منهج نطرحه على السياسة الدولية لتأخذ به بعد ان عانت الكثير وعانت الشعوب معها من محاولات تجاهل الاصول والقفز عليها او إنكارها رضوخاً واستسلاماً للامر الواقع.
ترجع جذور المشكلة الفلسطينية الى اواخر القرن التاسع عشر، او بكلمات اخرى الى ذلك العهد الذي كان يسمى عصر الاستعمار والاستيطان وبداية الانتقال الى عصر الامبريالية، حيث بدأ التخطيط الصهيوني - الاستعماري لغزو ارض فلسطين بمهاجرين من يهود اوربا، كما كان الحال بالنسبة للغزو الاستيطاني لافريقيا، في تلك الحقبة التي توطدت فيها سطوة عتاة الاستعمار القادمين من الغرب الى افريقيا وآسيا و اميركا اللاتينية، للاستيطان، واقامة المستعمرات، وممارسة أشد اشكال الاستغلال والاضطهاد والنهب لشعوب القارات الثلاث. انها الحقبة التي ما زلنا نشهد آثارها العنصرية البشعة في الجنوب الافريقي، وكذلك في فلسطين.
وكما استخدم الاستعمار والمستوطنون افكار " التمدين والتحضير " لتبرير الغزو والنهب والعدوان في افريقا وغيرها، كذلك استخدمت هذه الذرائع لغزو فلسطين بموجات المهاجرين الصهاينة. وكما استخدم الاستعمار والمستوطنون الدين واللون والعرق واللغة لتمرير عملية استغلال الشعوب واخضاعها بالتمييز والتفرقة والارهاب في افريقيا، كذلك استخدمت هذه الاساليب لاغتصاب الوطن الفلسطيني، واضطهاد شعبه، ومن ثم تشريده، وكما استخدم الاستعمار، وقتئذ، المحرومين والفقراء والمستغلين كوقود لنار عدوانه ومرتكزات للاستيطان، كذلك استخدم الاستعمار العالمي والقادة الصهاينة اليهود المحرومين والمضطهدين في اوروبا كوقود للعدوان ومرتكزات للاستيطان والتمييز العنصري. ان الايديولوجية الصهيونية التي استخدمت ضد شعبنا لاستيطان فلسطين بالغزاة الوافدين من الغرب، استخدمت في الوقت ذاته لاقتلاع اليهود من جذورهم في اوطانهم المختلفة ولتغريبهم عن الامم.
انها ايديولوجية استعمارية استيطانية عنصرية تمييزية رجعية تلتقي مع اللاسامية في منطلقاتها، بل هي الوجه الآخر للعملة نفسها. فعندما نقول ان تابعي دين معين، هو اليهودية، اياً كان وطنهم، لا ينتسبون الى ذلك الوطن، ولا يمكنهم ان يعيشوا كمواطنين متساوين مع بقية المواطنين من الطوائف الاخرى، فان ذلك التقاء مباشر مع دعاة اللاسامية. وعندما يقولون ان الحل الوحيد لمشكلتهم هو ان ينفصلوا عن الامم والمجتمعات التي هم جزء منها عبر تاريخ طويل، ثم يهاجرون ليستوطنوا ارض شعب آخر ويحلون محله بالقوة والارهاب، يأخذون من غيرهم الموقف نفسه الذي اخذه دعاة اللاسامية منهم. ومن هنا، نلاحظ مثلا العلاقة الوثقى بين رودس وهو يوسط استعماره الاستيطاني في جنوب شرقي القارة الافريقية، وبين هيرتسل الذي راح يخطط ويصمم لاستعماره الاستيطاني على أرض فلسطين. وعندما حصل هيرتسل على شهادة حسن سلوك استعماري استيطاني من رودس، قدمها للحكومة البريطانية ليستصدر منها قرار التأييد والدعم مقابل ان يبني على أرض فلسطين قاعدة للاستعمار تؤمن مصالحه في أهم النقاط الاستراتيجية في الشرق الاوسط.
وهكذا، باشرت الحركة الصهيونية، متحالفة مع الاستعمار العالمي، غزوتها لبلادنا. واسمحوا لي ان اوجز بعض الحقائق التالية حولها:
كان عدد سكان فلسطين، عند بداية الغزو عام 1881 وقبل قدوم اول موجة استيطان، حوالي نصف مليون نسمة كلهم من العرب، مسلمين ومسيحيين، ومنهم حوالي عشرون ألفاً من يهود فلسطين يعيشون جميعاً في كنف التسامح الديني الذي اشتهرت به حضارتنا.
وكانت فلسطين أرضاً خضراء معمورة بشعبها العربي الذي يبني الحياة في وطنه، ويغني ثقافته.
وعمدت الحركة الصهيونية الى تهجير حوالي خمسين الف يهودي اوروبي بين عامي 1882 و 1917، لاجئة الى شتى اساليب الاحتيال لتغرسهم في ارضنا. ونجحت في الحصول على تصريح بلفور من بريطانيا، فجسد التصريح حقيقة التحالف الصهيوني الاستعماري. وعبر هذا التصريح عن مدى ظلم الاستعمار للشعوب حيث اعطت بريطانيا، وهي لا تملك، وعداً للحركة الصهيونية، وهي لا تستحق. وخذلت عصبة الامم بتركيبها القديم شعبنا العربي، وتبخرت وعود ومبادئ ويلسون في الهواء، وفرضت علينا، قسراً، الاستعمار البريطاني بصورة الانتداب. وتعهد صك الانتداب الذي اصدرته عصبة الامم المتحدة، صراحة، بالتمكين للغزوة الصهيونية من ارضنا.
وعلى مدى الثلاثين عاماً بعد صدور تصريح بلفور، نجحت الحركة الصهيونية مع حليفها الاستعماري، في تهجير مزيد من يهود اوروبا، واغتصاب اراضي عرب فلسطين. وهكذا اصبح عدد اليهود في فلسطين عام 1947 حوالي ستمائة الف، يملكون اقل من 6% من اراضي فلسطين الخصبة، بينما كان تعداد عرب فلسطين حوالي مليون وربع المليون نسمة.
وبفعل تواطؤ الدولة المنتدبة مع الحركة الصهيونية، ودعم الولايات المتحدة لهما، صدر عن هذه الجمعية، وهي في بداية عهدها، التوصية بتقسيم وطننا فلسطين في 29 نوفمبر [ تشرين الثاني] 1947، وسط تحركات مريبة وضغوط شديدة، فقسمت ما لا يجوز لها ان تقسم، ارض الوطن الواحد. وحين رفضنا ذلك القرار، فلاننا مثل ام الطفل الحقيقية التي رفضت ان يقسم سليمان طفلها حين نازعتها عليه امرأة اخرى. ومع ذلك، فقد منح قرار التقسيم المستوطنين الاستعماريين 54% من ارض فلسطين، وكأن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة اليهم، فشنوا حرباً ارهابية ضد السكان المدنيين العرب واحتلوا 81% من مجموع مساحة فلسطين، وشردوا مليون عربي، مغتصبين بذلك 524 قرية ومدينة عربية، دمررا منها 385 مدينة وقرية تدميراً كاملا محاها من الوجود - وحيث فعلوا ذلك اقاموا مستوطناتهم ومستعمراتهم فوق الانقاض وبين بساتيننا وحقولنا.
ومن هنا، يبدأ جذر المشكلة الفلسطينية. ان هذا يعني ان اساس المشكلة ليس خلافاً دينياً أو قومياً بين دينين أو قوميتين، وليس نزاعاً على حدود بين دول متجاورة. انه قضية شعب اغتصب وطنه وشرد من ارضه لتعيش اغلبيته في المنافي والخيام.
وقد استطاع هذا الكيان الصهيوني، وبدعم من دول الاستعمار والامبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية، ان يتحايل على هيئة الامم لقبوله في عضويتها، ومن ثم على شطب قضية فلسطين من جدول اعمالها، وتضليل الرأي العام العالمي بتصوير المشكلة كمشكلة لاجئين بحاجة الى عطف المحسنين او إعادة توطينهم في بلاد الآخرين.
على أن هذه الدولة العنصرية التي قامت على اساس الاستعمار الاستيطاني، لم تكتف بكل ذلك، حيث جعلت من نفسها قاعدة للامبريالية، وراحت تتحول الى ترسانة من الاسلحة لإكمال مهمتها في إخضاع الشعوب العربية والعدوان عليها طمعاً في المزيد من التوسع على الارض الفلسطينية والاراضي العربية. فالى جانب عشرات الاعتداءات التي شنتها هذه الدولة ضد البلاد العربية، قامت بحربين توسعيتين كبيرتين عام 1956 وعام 1967، عرضت، خلالهما، السلم العالمي لخطر حقيقي.
فقد كان من نتائج العدوان الصهيوني في حزيران [يونيو] 1967، ان احتل العدو سيناء المصرية حتى مشارف قناة السويس، واحتل الجولان السورية، فضلا عن احتلاله للارض الفلسطينية حتى نهر الاردن، الامر الذي شكل وضعا جديداً في منطقتنا، وخلق ما يسمى بمشكلة الشرق الاوسط. ومما جعل الوضع يتفاقم اكثر، إصرار العدو على استمرار الاحتلال وتكريسه، مشكلا رأس حربة للاستعمار العالمي ضد امتنا العربية، وقد ضرب عرض الحائط بكل قرارات مجلس الامن ونداءات الرأي العام العالمي للانسحاب من الاراضي التي احتلها بعد حزيران [ يونيو]. ولم تجد كل المساعي السلمية والدبلوماسية لردعه عن هذه السياسة التوسعية، فما كان امام امتنا العربية، وفي مقدمتها دولتا مصر وسورية، الا ان تبذل الجهود المضنية في الاستعداد العسكري من اجل الصمود اولا في وجه هذه الغزوة الهمجية المسلحة بالقوة، وثانياً من اجل تحرير تلك الاراضي واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني بعد استنفاد كل الوسائل السلمية. وضمن هذا الاطار، اندلعت الحرب الرابعة، حرب تشرين [ الاول (اكتوبر) ]، لتؤكد للعدو الصهـيوني عقم سياسته الاحتلالية التوسعية واعتماده على شريعة القوة العسكرية. ولكن رغم ذلك، فان قادة الكيان الصهيوني ما زالوا بعيدين عن الاتعاظ بهذه الدروس، فهم يعدون العدة للحرب الخامسة ليعودوا من جديد الى سياسة مخاطبة العرب بلغة التفوق العسكري، سياسة العدوان والارهاب والاخضاع والحرب.
سيدي الرئيس،
لشد ما يتألم شعبنا حين يسمع تلك الدعايات التي تقول ان اراضيه كانت صحراء فعمرها المستوطنون الاجانب، وان وطنه كان خالياً من السكان، وانه لم يتضرر احد من بني البشر نتيجة قيام هذا الكيان الاستيطاني لا، يا سيدي الرئيس، يجب ان تدحض هذه الاكاذيب من على هذا المنبر العالمي، ويجب ان يعرف الجميع ان فلسطين كانت مهداً لأقدم الحضارات والثقافات، واستمر شعبها العربي ينشر الخضرة والبناء والحضارة والثقافة في ربوعها طوال آلاف السنين، ويرفع لواء التسامح العربي، ضارباً المثل على حرية العقيدة، وحارساً اميناً على مقدسات جميع الاديان في وطنه. وانني، كأحد ابناء بيت المقدس، أحتفظ لنفسي ولشعبي بذكريات جميلة وصور رائعة عن مظاهر التآخي الديني التي كانت تتألق في مدينتنا المقدسة قبل حلول النكبة بها. ولم ينقطع شعبنا عن ذلك إلا بعد تمكن الغزوة الصهيونية الهمجية من إقامة دولة اسرائيل وتشريده. ولكنه ما زال مصمماً على الاستمرار في أداء دوره الحضاري والانساني على ارض فلسطين، ولا يسمح بأن تتحول هذه الاراضي الى بؤرة للعدوان على الشعوب، والى معسكر عنصري ضد الحضارة والثقافة والتقدم والسلام. ولهذا، فان شعبنا لا يستطيع إلا ان يواصل تراث اجداده في الكفاح ضد الغزاة، وان يحمل شرف المسؤولية في الدفاع عن وطنه وعن امته العربية وعن الثقافة والحضارة ومهد الديانات السماوية. وتكفينا نظرة سريعة لمواقف اسرائيل العنصرية عندما دعمت منظمة الجيش السرية في الجزائر، وفي دعمها للمستعمرين في افريقيا، سواء في الكونغو وانغولا وموزامبيق وزمبابوي وروديسيا وجنوب افريقيا، وفي وقوفها الى جانب حكومة فيتنام ضد الثورة الفيتنامية، فضلا عن مواقفها المتتابعة في هذا السياق الى جانب الاستعماريين والعنصريين في كل مكان، وعرقلتها لعمل لجنة تصفية الاستعمار، ورفضها التصويت لمصلحة استقلال بلدان افريقيا، ووقوفها ضد مطالب بلدان آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية وبلدان عديدة اخرى في مؤتمرات " المواد الاولية والتنمية "، و" قانون البحار " و " السكان " و " التغذية". كل ذلك يعطي دليلا اضافياً على صورة العدو الذي اغتصب بلادنا، ويكشف عن شرف النضال الذي نخوضه ضده. اننا ندافع عن حلم المستقبل، وهو يدافع عن اساطير الماضي.
السيد الرئيس،
ان لهذا العدو الذي نواجهه سجلا حافلا ضد اليهود انفسهم، فهنالك في داخل الكيان الصهيوني تمييز عنصري بشع ضد اليهود الشرقيين. واذا كنا نحن ندين بكل ما اوتينا من قوة، مذابح اليهود تحت الحكم النازي، فان القادة الصهاينة كان يبدو ان همهم الاكبر حينذاك هو استغلالها لتحقيق الهجرة الى فلسطين.
سيدي الرئيس،
لو كان تهجيرهم الى فلسطين بهدف العيش كمواطنين متساوين معنا بالحقوق والواجبات، لكنا أفسحنا المجال لهم ضمن امكانات وطننا، كما حدث مع عشرات الآلاف من الارمن والشركس الذين ما زالوا بيننا اخوة مواطنين مثلنا تماماً. أما ان يكون هدف ذلك اغتصاب ارضنا وتشريدنا وتحويلنا الى مواطنين من الدرجة الثانية وانزال المعاملة نفسها بنا، فهذا ما لا يمكن ان ينصحنا احد القبول به او الاذعان له. ولهذا، فان ثورتنا منذ البداية لا تقوم على اسس عرقية او دينية عنصرية، وليست موجهة للانسان اليهودي من حيث كونه انساناً، وانما هي موجهة ضد العنصرية الصهيونية وضد العدوان. وبهذا المعنى، فان ثورتنا هي ايضاً من اجل الانسان اليهودي. اننا نناضل من اجل ان يعيش اليهود والمسيحيون والمسلمون بمساواة في الحقوق والواجبات وبلا تمييز عنصري او ديني.
أ - اننا اذن، يا سيادة الرئيس، نفرق بين اليهودية وبين الصهيونية. وفي الوقت الذي نعادي الحركة الصهيونية الاستعمارية، فاننا نحترم الدين اليهودي. واننا نحذر اليوم، وبعد قرابة قرن من بروز هذه الحركة العنصرية، من ان خطرها يتزايد ضد اليهود في العالم، وضد شعبنا العربي، وضد أمن العالم وسلامته. فالصهيونية لا تزال متمسكة بتهجير اليهود من اوطانهم واصطناع قومية لهم يستبدلون بها قومياتهم الاصلية. ان الصهيونية تتابع نشاطها التخريبي هذا على الرغم من ظهور فشل الحل الذي قدمته، وان ظاهرة النزوح من التجمع الاسرائيلي المستمرة منذ قيامه والتي ستقوى مع سقوط قلاع الاستعمار الاستيطاني العنصري في العالم، لدليل على هذا الفشل.
ب - اننا ندعو جميع الشعوب والحكومات لمجابهة مخططات الصهيونية الرامية الى تهجير مزيد من يهود العالم من اوطانهم ليغتصبوا وطننا. وندعوهم، في الوقت نفسه، للوقوف في وجه اي اضهاد للانسان بسبب دينه او جنسه أو لونه.
ج - وانني اتساءل، يا سيادة الرئيس، لماذا يتحمل شعبنا ووطننا مسؤولية الهجرة اليهودية اذا كانت لا زالت مثل هذه المشكلة في مخيلة البعض؟ واتساءل لماذا لا يتحمل المتحمسون لهذه المشكة، ان وجدت المسؤولية، فيفتحوا بلادهم الكبيرة الرقعة والقادرة لاستيعاب هؤلاء المهاجرين ومساعدتهم.
السيد الرئيس،
ان الذين ينعتون ثورتنا بالارهاب، انما يفعلون ذلك لكي يضللوا الرأي العام العالمي عن رؤية الحقائق، عن رؤية وجهنا الذي يمثل جانب العدل والدفاع عن النفس، ووجههم الذي يمثل جانب الظلم والارهاب.
ان الجانب الذي يقف فيه حامل السلاح هو الذي يميز بين الثائر والارهابي. فمن يقف في جانب قضية عادلة، ومن يقاتل من اجل حرية وطنه واستقلاله ضد الغزو والاحتلال والاستعمار، لا يمكن ان تنطبق عليه، بأي شكل من الاشكال، صفة ارهابي والا اعتبر الشعب الاميركي، حين حمل السلاح ضد الاستعمار البريطاني، ارهابياً، واعتبرت المقاومة الاورربية ضد النازية ارهابا، واعتبر نضال شعوب آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية ارهاباً. لا، يا سيدي الرئيس، ان هذا هو الكفاح العادل والمشروع والذي يكرسه. ميثاق هيئة الامم والاعلان العالمي لحقوق الانسان. اما الذي يحمل السلاح ضد القضايا العادلة، الذي يشن الحرب لاحتلال اوطان الآخرين ونهبهم واستغلالهم واستعمارهم، فذلك هو الارهابي. وأعماله هي التي يجب ان تدان، وينسحب عليه لقب مجرم حرب، ذلك ان عدالة القضية هي التي تقرر عدالة السلاح.
السيد الرئيس،
ان الارهاب الصهيوني الذي ارتكب بحق الشعب الفلسطيني لاجلائه عن وطنه واقتلاعه من ارضه، مدون لديكم في وثائق رسمية وزعت في الامم المتحدة. لقد ذبح الآلاف من ابناء شعبنا في قراهم ومدنهم، واجبر عشرات الالوف تحت نار البندقية وقصف المدافع والطائرات ان يتركوا بيوتهم وما زرعوا في ارض اجدادهم. وكم من مسيرة اجبر فيها ابناء شعبنا، نساء واطفالا وشيوخا، على الخروج من دون زاد او ماء، وارغموا على تسلق الجبال والتيه في الصحراء. ان الكوارث التي حلت عام 1948 بأهالي المئات من القرى والمدن في السهل والجبل، في القدس ويافا واللد والرملة والجليل، لم ولن ينساها من عانى اهوالها لحظة لحظة، رغماً عن التعتيم الاعلامي العالمي الذي نجح في إخفاء هذه الاهوال كما أخفى أثر 385 قرية ومدينة فلسطينية، دمرت في حينه، وازيلت من الوجود. ان نسف 19 ألف منزل على مدى السبع سنوات الاخيرة، اي ما يساوي تدمير مائتي قرية فلسطينية اخرى تدميراً كاملا، والأعداد الضخمة من مشوهي الارهاب والتعذيب ومن في السجون، لا يمكن ان يطمسه التعتيم الاعلامي. لقد وصل ارهابهم الى الحقد حتى على شجرة الزيتون في بلادي التي اعتبروها علماً شامخاً يذكرهم بسكان البلاد الاصليين، يصرخ: ان الارض فلسطينية، فراحوا يعملون على اقتلاعها او قتلها بالاهمال والتحطيب. ماذا يمكن ان يسمى تصريح غولدا مئير عندما عبرت عن قلقها من الاطفال الفلسطينيين الذين يولدون كل صباح. انهم يرون في الطفل الفلسطيني والشجرة الفلسطينية عدواً يجب التخلص منه. يا سيادة الرئيس، طيلة عشرات السنين وهم يتعقبون قيادات شعبنا الثقافية والسياسية والاجتماعية والفنية بالارهاب والتقتيل والاغتيال والتشريد. لقد سرقوا تراثنا الحضاري، وفولكلورنا الشعبي وادعوه لهم، ومدوا ارهابهم الى مقدساتنا في مدينة السلام، القدس الحبيبة، وعمدوا الى إفقادها طابعها العربي المسيحي الاسلامي من خلال تهجير سكانها وضمها لدولتهم. ولا حاجة لان نسترسل في ذكر حرق المسجد الاقصى، وسرقة ثروات كنيسة القيامة، والتشويه الذي لحق بعمرانها وطابعها الحضاري. فالقدس، بروعتها، و بالعبق التاريخي المسيطر عليها، تشهد لاجيالنا المتعاقبة التي مرت عليها تاركة في كل ركن من اركانها اثراً خالداً - وبصمة حنون ولمسة حضارية ونبضة انسانية.
وليس غريباً ان تتعانق في سمائها الرسالات السماوية الثلاث، وتتهادى في ركبها وآفاقها تنير للبشرية طريق جلجلتها، وهي تحمل اشواكها وآلامها لترسم مستقبلها بكل ما فيه من آمال وأمان ومعطيات.
السيد الرئيس،
ان العدد القليل من العرب الفلسطينيين الذين لم يستطع العدو تهجيرهم من ارضهم عام 1948، هم الآن لاجئون على ارضهم، وقد عوملوا في القانون الاسرائيلي كمواطنين من الدرجه الثانية، بل والثالثة، باعتبار ان اليهود الشرقيين هم مواطنو الدرجة الثانية. ومورست ضدهم كل اشكال التمييز العنصري والارهاب، وصودرت اراضيهم وممتلكاتهم، وتعرضوا لمذابح دامية كما حدث في قرية كفر قاسم، وهجروا من قراهم، وحرموا من العودة لها، كما حدث لاهالي قريتي كفر برعم واقرت. كما ان اهلنا عاشوا هناك ثمانية عشر عاماً تحت الحكم العرفي، لا يحق لهم الانتقال من مكان الى مكان مجاور دون اذن مسبق من الحاكم العسكري. تصور، ياسيادة الرئيس، في الوقت الذي يسن فيه المشرع الاسرائيلي قانوناً يعطي حقاً تلقائياً بالمواطنية لاي يهودي يهاجر الى ارضنا فور ان يطأها، يسن قانوناً آخر يعتبر الفلسطينيين الذين بقوا في فلسطين ولم يكونوا في قراهم او مدنهم ساعة احتلالها، محرومين من المواطنية.
السيد الرئيس،
ان سجل حكام اسرائيل الحافل بجرائم الارهاب يمتد ليشمل عدداً من ابناء امتنا العربية الذين بقوا تحت الاحتلال في سيناء او الجولان. كما ان ذكرى جريمة قصف مدرسة بحر البقر ومصنع ابو زعبل في مصر العربية، ما زالت ماثلة للاذهان. واما تدمير مدينة القنيطرة السورية فما زال شاهداً لكل من يريد ان يرى ما يفعله الارهاب. واذا فتح سجل الارهاب الصهيوني على جنوبي لبنان، وهو الارهاب الذي ما زال مستمراً، فسوف تقشعر الابدان من هول ما يرتكب من اعمال القرصنة والقصف والعدوان، بما في ذلك تهجير المدنيين وتدمير بيوتهم وخطفهم وحرق مزارعهم الى جانب الاعتداءات المستمرة على سيادة الدولة اللبنانية، والاعداد لسرقة مياه نهر الليطاني. ولنذكر، في هذا المجال، بالمقررات العديدة التي صدرت عن هذه المنظمة، والتي تدين اسرائيل بارتكاب الاعتداءات ضد الدول العربية وباعتداء على حقوق الانسان، وفيما يتعلق بضم القدس وتغيير وضعها السابق للاحتلال وادانتها لمخالفات متعددة لبنود اتفاقيات جنيف في حالة الحرب.
السيد الرئيس،
ان التأمل بكل هذه الاعمال لا يمكن ان يطلق عليه من وصف غير وصف الارهاب الهمجي. ومع ذلك، يتجرأ اولئك الارهابيون الغزاة العنصريون على تسمية نضالات شعبنا العادلة بالاعمال الارهابية. هل يوجد ثمة تجرؤ على الباطل والتزييف اشد من هذا؟ واننا نقول ان على اولئك الذين اغتصبوا ارضنا، وارتكبوا من جرائم الارهاب والتمييز العنصري اكثر مما فعل ويفعل العنصريون في جنوب افريقيا، ان يذكروا قرار الجمعية العامة لهيئة الامم المتحدة الذي اعلن طرد جنوب افريقيا من عضويتها، لان ذاك هو المصير المحتوم لكل الدول العنصرية التي تطبق شريعة الغاب وتغتصب وطن الآخرين وتضطهدهم.
السيد الرئيس،
لقد قاوم شعبنا الفلسطيني خلال ثلاثين عاماً، تحت الاحتلال البريطاني والغزو الصهيوني، كل محاولات انتزاع ارضه. وناضل في ثورات ست، ومن خلال الانتفاضات الشعبية، ومن اجل احباط المؤامرة، ليبقى على ارضه وفوق تراب وطنه، قدم في سبيل ذلك ولغاية 1948 ثلاثين الف شهيد (اي ما يوازي 6 ملايين اميركي بالنسبة لعدد السكان اليوم).
وعندما اقتلعت غالبيته من الارض الفلسطينية التي احتلت عام 1948، ظل يقاوم في ظررف صعبة محاولات افنائه. وحاول شعبنا بكل الطرق، استمرار نضاله السياسي من اجل حقوقه، دون جدوى. وناضل للحفاظ على وجوده فتعلم ابناؤه في النزوح والشتات، وكدحوا تحت اصعب الظروف ليستطيعوا الاستمرار، واصبح لدى الشعب الفلسطيني آلاف الاطباء والمهندسين والاساتذة والعلماء، توجهوا بعملهم وامكانياتهم للاقطار العربية المحيطة بوطنهم المغتصب، فساهموا في البناء والتعمير والتطوير، وحصلوا على دخل استخدموه لمساعدة اقربائهم الصغار والعجائز الذين استحال عليهم مغادرة مخيمات النزوح، علم الاخ اخاه واخته، وحافظ على والديه وربى اولاده، ولكنه ظل يحلم في قلب ذاته بالعودة الى فلسطين. ظل فلسطينياً متمسكاً بوطنه لا يهتز ولاؤه لها، ولا تهن عزيمته، ولا يفتر حماسه. لم يغره شيء للتخلي عن فلسطينيته ووطنه فلسطين. لا ولم ينسه الزمن اياها كما توقع المتوقعون.
وعندما خابت آمال شعبنا بالاسرة الدولية التي نسيته وتغافلت عن حقوقه، وثبت لشعبنا عجز النضال السياسي وحده عن استعادة شبر من ارض وطنه، لجأ شعبنا الى الثورة الفلسطينية واعطاها كل امكانياته المادية والبشرية وخيرة شبابه. وواجه شعبنا ببسالة ارهاباً اسرائيلياً لا يتخيله بشر ليثنيه عن طريق النضال.
لقد قدم شعبنا في السنوات العشر الاخيرة من نضاله، آلاف الشهداء، وأضعافهم من الجرحى والمشوهين والاسرى والمعتقلين من اجل ألا يفنى او يذوب، ومن اجل انتزاع حقه في تقرير مصيره على وطنه وفي عودته الى ترابه.
وتعيش جماهير شعبنا الآن تحت الاحتلال الصهيوني، تقاوم بكل الكبرياء المتأصلة فيها، بكل الشموخ الثوري الملازم لها، سواء من زج منها في السجون والمعتقلات او من يعيش داخل السجن الكبير في قفص الاحتلال ، يقاومون من اجل البقاء والوجود، يناضلون من اجل ان تبقى الارض عربية، ويكافحون الطغيان والظلم والارهاب بشتى صوره المأساوية الخطيرة.
ومن خلال ثورة شعبنا المسلحة، تبلورت قيادته السياسية، وترسخت مؤسساته الوطنية، وبنيت حركة التحرير الوطنية التي تضم كل فصائله وتنظيماته وقدراته والتي جسدتها منظمة التحرير الفلسطينية.
ومن خلال حركة التحرير الوطنية الفلسطينية المناضلة، نضج نضال شعبنا وتعددت اساليبه، فشمل النضال السياسي والاجتماعي بالاضافة للنضال المسلح. واندفعت منظمتنا تساهم في بناء الانسان الفلسطيني المؤهل لبناء المستقبل الفلسطيني، وليس فقط لتعبئته لمواجهة تحديات الحاضر.
وتعتز منظمة التحرير الفلسطينية بأنها وهي تخوض المعارك المسلحة، وتواجه قساوة الارهاب الصهيوني، قامت بمآثر عديدة حضارية وثقافية، فشكلت مؤسسات البحث العلمي، والتطوير الزراعي والرعاية الصحية واحياء التراث الحضاري لشعبنا، وتطوير الفولكلور الشعبي، وخرجت من بين صفوفها عدداً من الشعراء والفنانين والكتاب الذين يسهمون في تطوير الثقافة العربية، وربما امتد ذلك الى الثقافة العالمية. وكان المحتوى لكل ذلك يحمل طابعاً انسانياً عميقاً أثار إعجاب كل الاصدقاء الذين اطلعوا عليه، وكنا بذلك النقيض لعدونا الذي قام على هدم الحضارة والثقافة بترويج الافكار العنصرية والاستعمارية وكل ما هو معاد للشعوب والتقدم والعدل والديمقراطية والسلام.
السيد الرئيس،
لقد اكتسبت منظمة التحرير الفلسطينية شرعيتها من طليعتها في التضحية ومن قيادتها للنضال بكافة اشكاله، واكتسبتها من الجماهير الفلسطينية التي أولتها قيادة العمل واستجابت لتوجيهها، واكتسبتها من تمثيل كل فصيل ونقابة وتجمع وكفاءة فلسطينية في مجلسها الوطني ومؤسساتها الجماهيرية. وقد تدعمت هذه الشرعية بمؤازرة الامة العربية كلها لها. كما تكرس هذا الدعم في مؤتمر القمة العربي الاخير بتأكيد حق منظمة التحرير الفلسطينية في إقامة السلطة الوطنية المستقلة على كل الاراضي الفلسطينية التي يتم تحريرها بصفتها الممثلة الشرعية الوحيدة للشعب الفلسطيني.
كما ان شرعيتها تعمقت من خلال دعم الاخوة في حركات التحرر ودول العالم الصديقة المناصرة التي وقفت الى جانب المنظمة تدعمها وتشد ازرها في نضالها من اجل حقوق الشعب الفلسطيني.
وهنا، لا بد ان اعلن بكل اعتزاز شكر ثوارنا وشعبنا للمواقف المشرفة التي وقفتها مع نضال شعبنا دول عدم الانحياز، والدول الاشتراكية، والدول الاسلامية، والدول الافريقية، والدول الصديقة في اوروبا، وكذلك الاصدقاء في آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية.
سيادة الرئيس،
ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهي بهذه الصفة المعبرة عن رغبات واماني هذا الشعب، وهي بهذه الصفة تنقل اليكم تلك الرغبات والاماني وتحملكم مسؤولية تاريخية كبيرة تجاه قضيتنا العادلة.
سيادة الرئيس،
لقد تعرض شعبنا لويلات الحرب والدمار والتشريد سنين طويلة، ودفع شعبنا من دماء ابنائه وارواحهم ما لا يتعوض بثمن، وعانى من الاحتلال والتشريد والنزوح والارهاب ما لم يعان منه شعب آخر. ولكن ذلك كله لا يجعل شعبنا حاقداً يحلم بالانتقهام، كما انه لا يجعلنا، يا سيادة الرئيس، نقع في سقطة عدونا العنصرية، او نفقد الرؤية الحقيقية في تحديد اعدائنا واصدقائنا.
اننا ندين كل الجرائم التي ارتكبت ضد اليهود، وكل انواع التمييز الصريح والمقنع الذي عانى منه معتنقو اليهودية.
سيادة الرئيس،
انني ثائر من اجل الحرية، واعرف أن كثيرين من الجالسين في هذه القاعة كانوا في مثل المواقع النضالية التي اقاتل منها الآن، واستطاعوا من خلال نضالهم ان يحولوا احلامهم الى حقائق. انهم شركائي في الحلم اذن. من هنا أسألهم ان نمضي في تحويل الحلم المشترك بمستقبل السلام في هذه الارض الفلسطينية المقدسة الى حقائق ساطعة.
لقد وقف المناضل اليهودي اهود اديف في المحكمة العسكرية الاسرائيلية قائلا: انا لست مخرباً، انا من المؤمنين باقامة الدولة الديمقراطية على هذه الارض. انه الآن في غياهب سجون الزمرة العسكرية الصهيونية مع زملاء له.
ويمثل الآن، امام هذه المحاكم ذاتها، امير شجاع من امراء الكنيسة المسيحية هو المطران كبوجي. انه يرفع اصابعه بعلامة النصر - شعارثوارنا - ويقول: " انني أعمل من اجل السلام في فلسطين، ليعيش الجميع على ارض السلام بسلام ". وسيلقى هذا الامير الراهب المصير ذاته في غياهب السجون.
فلماذا لا أحلم، سيادة الرئيس، وآمل، والثورة هي صناعة تحقيق الاحلام والآمال. فلنفعل معاً على تحقيق الحلم في ان أعود مع شعبي من منفاي لأعيش مع هذا المناضل اليهودي ورفاقه، ومع هذا المناضل الراهب المسيحي واخوانه في ظل دولة واحدة ديمقراطية، يعيش فيها المسيحي واليهودي والمسلم في كنف المساواة والعدل والإخاء.
ألا يستحق هذا الهدف الانساني النبيل ان اناضل من اجل تحقيقه مع كل الشرفاء في العالم؟ ولعل أروع ما في هذا الهدف العظيم هو انه من اجل فلسطين، ارض القداسة والسلام، ارض الاستشهاد والبطولة.
لقد ناضل اليهود، يا سيادة الرئيس، في اوروبا وهنا في اميركا، من اجل أوطان لا طائفية تنفصل فيها الدول عن الكنيسة، وقاتلوا ضد التمييز على اساس الدين. فكيف يمكن لهم ان يرفضوا هذا النموذج الانساني المشرف على الارض المقدسة، ارض السلام والمساواة؟ وكيف يمكن لهم ان يستمروا في دعم اكثر دول العالم انغلاقاً وتمييزاً وتعصباً.
انني اعلن امامكم هنا، كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية وقائد للثورة الفلسطينية، اننا عندما نتحدث عن آمالنا المشتركة من اجل فلسطين الغد، فنحن نشمل في تطلعاتنا كل اليهود الذين يعيشون الآن في فلسطين ويقبلون العيش معنا في سلام ودون تمييز على ارض فلسطين.
انني، بصفتي رئيساً لمنظمة التحرير وقائداً لقوات الثورة الفلسطينية، أدعو اليهود فرداً فرداً ليعودوا النظر في طريق الهاوية الذي تقودهم عليه الصهيونية والقيادات الاسرائيلية، وهي التي لم تقدم لهم غير النزيف الدموي الدائم والاستمرار في خوض الحروب واستخدامهم كوقود دائم لها.
اننا ندعوكم للخروج الى مجال الاختيار الرحب، بعيداً عن محاولات قيادتكم لغرس عقدة المأساة وجعلها قدراً لكم.
اننا نقدم لكم أكرم دعوة، ان نعيش حقاً في اطار السلام العادل في فلسطيننا الديمقراطية.
انني، كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية وكقائد للثورة الفلسطينية، أتوجه اليكم ان تقفوا مع نضال شعبنا من اجل تطبيق حقه في تقرير مصيره، هذا الحق الذي كرسه ميثاق منظمتكم، وأقرته جمعيتكم الموقرة في مناسبات عديدة. وانني أتوجه اليكم، ايضاً، ان تمكنوا شعبنا من العودة من منفاه الاجباري الذي دفع اليه تحت حراب البنادق و بالعسف والظلم ليعيش في وطنه ودياره وتحت ظلال اشجاره حراً سيداً متمتعاً بكافة حقوقه القومية، ليشاركوا في ركب الحضارة البشرية، وفي مجالات الابداع الانساني بكل ما فيه من امكانات وطاقات، وليحمي قدسه الحبيبة كما فعل دائماً عبر التاريخ، ويجعلها قبلة حرة لجميع الاديان بعيداً عن الارهاب والقهر.
كما أتوجه اليكم بأن تمكنوا شعبنا من إقامة سلطته الوطنية المستقلة، وتأسيس كيانه الوطني على ارضه.
لقد جئتكم، يا سيادة الرئيس، بغصن الزيتون مع بندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الاخضر من يدي.
سيادة الرئيس،
الحرب تندلع من فلسطين،
والسلم يبدأ في فلسطين.
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1974، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 10، ط 1، ص 438 - 446"
التحرير الفلطسينية والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية،
امام الجمعية العامة للامم المتحدة.
نيويورك، 13/11/1974
(فلسطين الثورة، العدد 118، بيروت، 17/11/1974، ص7)
سيدي الرئيس،
أشكر لكم دعوتكم منظمة التحرير الفلسطينية لتشارك في هذه الدورة من دورات الجمعية العامة لهيئة الامم المتحدة. وأشكر كل الاعضاء المحترمين في هيئة الامم المتحدة الذين أسهموا في تقرير إدراج قضية فلسطين على جدول اعمال هذه الجمعية، وفي إصدار قرار بدعوتنا لعرض قضية فلسطين.
انها لمناسبة هامة ان يعود بحث قضية فلسطين الى هيئة الامم المتحدة. واننا نعتبر هذه الخطوة انتصاراً للمنظمة الدولية، كما هي انتصار لقضية شعبنا. وان ذلك يشكل مؤشراً جديداً على ان هيئة الامم اليوم ليست هيئة الامم بالامس، ذلك لان عالم اليوم ليس هو عالم الامس.
فقد اصبحت هيئة الامم اليوم تمثل 138 دولة، واصبحت تعكس، بصورة نسبية اوضح، إرادة المجموعة الدولية. ومن ثم، فقد اصبحت اكثر قدرة على تطبيق ميثاقها ومبادىء الاعلان العالمي لحقوق الانسان، واكثر قدرة على نصرة قضايا العدل والسلام.
وهذا ما بدأ يلمسه وتلمسه شعوب آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية، الامر الذي اخذ يعلي مكانة هذه المنظمة الدولية في عيون شعبنا وعيون بقية الشعوب، ويزيد من الآمال التي تعلقها شعوب العالم على مساهمة هيئة الامم المتحدة في نصرة قضايا السلم والعدل والحرية والاستقلال، وتشييد عالم خال من الاستعمار والامبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة اشكالها، بما فيها الصهيونية.
سيدي الرئيس،
اننا نعيش في عالم يطمح للسلام والعدل والمساواة والحرية، يطمح الى ان يرى الامم المظلومة، الرازحة تحت الاستعمار والاضطهاد العنصري ، وهي تمارس حريتها وحقها في تقرير المصير. يطمح الى ان يرى العلاقات الدولية بين الدول كافة تقوم على اساس المساواة والتعايش السلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتأمين السيادة الوطنية والاستقلال ووحدة الاراضى الاقليمية لكل دولة، واقامة علاقات اقتصادية على اساس العدل والتكافؤ والمنافع المتبادلة. يطمح لان تصب الجهود الانسانية على مكافحة الفقر والمجاعة والامراض والكوارث الطبيعية، وعلى تطوير القدرات الانتاجية والعلمية والتقنية للبشر لزيادة الثروات وتضييق الفروق بين الدول النامية والدول المتطورة. ولكن ذلك كله يصطدم بواقع عالمي ما زال يسوده الاضطراب والظلم والاضطهاد والاستغلال، وما زال مهدداً بالكوارث الاقتصادية والحروب والازمات.
ما زالت شعوب كثيرة، منها زمبابوي وناميبيا وجنوب افريقيا وفلسطين وغيرها، ضحية للعدوان والقهر والبطش. وتشهد تلك المناطق من العالم صراعاً مسلحاً فرضته قوى الاستعمار والتمييز العنصري ظلماً وارهاباً، فاضطرت الشعوب المضطهدة الى التصدي له، وكان تصديها عادلا ومشروعاً.
لا بد، يا حضرة الرئيس، من ان تسهم المجموعة الدولية في دعم هذه الشعوب ومساعدتها علي انتصار قضاياها العادلة ونيلها حقها في تقرير المصير.
وما زالت شعوب الهند الصينية تتعرض للعدوان، وتواجه المؤامرات لمنعها من إحلال السلام على ارضها وتحقيق اهدافها. فاذا كانت شعوب العالم قد رحبت بالاتفاق في لاوس، وباتفاقية السلام في جنوبي فيتنام، ما زال بعيداً عن ان يكون سلاماً حقيقياً لان القوى التي شنت العدوان تصر على بقاء فيتنام في الاضطراب والحرب. وكذلك ما زال الشعب الكمبودي يواجه عدواناً عسكرياً. لا بد، حضرة الرئيس، ان تسهم المجموعة الدولية في دعم هذه الشعوب وشجب المعتدين ومعكري السلام. وما زالت القضية الكورية بعيدة عن ان تحل حلا عادلا وسلمياً، رغم الموقف الايجابي السلمي الذي عبرت عنه المقترحات المقدمة من جمهورية كوريا الديمقراطية.
ولقد عشنا، قبل شهور، تفجر المشكلة القبرصية، وشاركنا في تحمل همومها مع شعوب العالم اجمع. ولا بد لهيئة الامم المتحدة ان تتابع جهودها للتوصل الى حل عادل للمشكل، يجنب الشعب القبرصي اهوال الحرب ويحفظ استقلاله. ولا شك في ان المشكلة القبرصية تدخل في هذا الاطار من هموم بلدان الشرق الاوسط والبحر الابيض المتوسط.
وما زالت دول آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية تواجه اعتداءات ضارية على نضالها من اجل تغيير النظام الاقتصادي العالمي الحالي، بنظام اقتصادي عالمي جديد اكثر معقولية ومنطقية. وقد عبرت هذه البلدان عن ذلك في مؤتمر المواد الاولية والتنمية، حيث لا بد من ان يوضع حد لعمليات النهب والاستغلال وامتصاص ثروات الشعوب الفقيرة وعرقلة جهودها من اجل التنمية والسيطرة على ثرواتها ورفع الحيف عن اسعار موادها الاولية.
وكذلك، فان هذه الدول ما زالت تواجه عراقيل امام مطالبها العادلة المعبر عنها في مؤتمر البحار في كراكاس، ومؤتمر السكان، ومؤتمر التغذية. ولا بد للهيئة الدولية من ان تقف بحزم الى جانب النضال من اجل إحداث تغييرات جذرية في النظام الاقتصادي العالمي، لان ذلك وحده يتيح للشعوب المتخلفة امكانية التقدم بسرعة. ولا بد لهذه الهيئة من ان تقف بحزم ضد القوى التي تحاول تحميل مسؤولية التضخم المالي على كاهل البلدان النامية، خاصة البلدان المنتجة للبترول، وان تشجب التهديدات التي تتعرض لها هذه البلدان بسبب مطالبها العادلة.
سيدي الرئيس،
ما زال السباق على التسلح على أشده في العالم، الامر الذي يهدد العالم بضياع ثرواته وتبديد جهوده على هذا السباق، فضلا عن إبقائه في خطر انفجارات مسلحة خطيرة. ان الحد من السباق على التسلح، وصولا الى تدمير الاسلحة النووية وتخصيص ما يصرف من مبالغ طائلة على مجالات التقنيات العسكرية في ميدان تقدم العلوم وزيادة الانتاج وتحقيق الرفاه للعالم، هذا ما تتوقع الشعوب ان تعمل هيئة الامم المتحدة باتجاهه. وما زال الاضطراب علي أشده في منطقتنا، فالكيان الصهيوني متشبث بالاراضي العربية التي احتلها، ويتابع عدوانه علينا، بجانب استعداداته العسكرية المحمومة لشن حرب عدوانية جديدة ستكون الخامسة من سلسلة حروبه العدوانية. ولنا ان نتحسب مع ما يصدر من اشارات عنه من ان تكون حرباً نووية تحمل الفناء والدمار.
سيدي الرئيس،
ان العالم بحاجة الى أقصى الجهود من اجل تحقيق مطامحه في السلم والحرية والعدل والمساواة والتنمية، وفي مكافحة الاستعمار والامبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية بكافة اشكالها، بما فيها الصهيونية، لان هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق آمال الشعوب كافة، بما في ذلك شعوب الدول التي تعارض هذا الطريق. انه طريق لتكريس مبادئ ميثاق هيئة الامم المتحدة، والاعلان العالمي لحقوق الانسان. اما بقاء الوضع الحالي فلن يفعل اكثر من ان يبقي العالم معرضاً لاخطر الصراعات المسلحة، للكوارث الاقتصادية والانسانية والطبيعية.
سيدي الرئيس،
رغم هذا الوضع المتأزم الذي يسود العالم، ورغم ما في عالمنا من قوى ظلام وتأخر، فان عالمنا اليوم يعيش اياماً مجيدة. انه يشهد انهيار العالم القديم، عالم الاستعمار والامبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية، بكافة اشكالها، وأبرزها الصهيونية، ويشهد الاتجاه التاريخي العظيم لشعوب العالم نحو انبثاق عالم جديد تنتصر فيه القضايا العادلة، واننا واثقون من انتصار هذه القضايا.
سيدي الرئيس،
ان قضية فلسطين تدخل كجزء هام بين القضايا العادلة التي تناضل في سبيلها الشعوب التي تعاني الاستعمار ،والاضطهاد. واذا كانت الفرصة قد اتيحت لي ان اعرضها امامكم، فانني لن أنسى ان مثل هذه الفرصة يجب ان تتاح لكل حركات التحرر المناضلة ضد العنصرية والاستعمار. ولهذا، فانني باسم هؤلاء المناضلين من اجل الحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، أدعوكم لان تعيروا قضاياهم، كما قضيتنا، من همومكم واهتمامكم الاولوية ذاتها، مما يشكل مرتكزاً اساسياً لحماية السلم في العالم وتكريس عالم جديد تعيش الشعوب في ظلاله بعيداً عن الاضطهاد والظلم والخوف والاستغلال. ولهذا، فانني سأعرض قضيتنا ضمن هذا الاطار، وفي سبيل هذا الهدف.
واننا، حين نتكلم من على هذا المنبر الدولي، فان ذلك تعبير في حد ذاته، عن ايماننا بالنضال السياسي والدبلوماسي، مجال معزز لنضالنا المسلح، وتعبير عن تقديرنا للدور الذي من الممكن للامم المتحدة ان تقوم به في حل المشكلات العالمية، بعد ان تغيرت بنيتها في صالح اماني الشعوب وفي حل مشكلتنا التي تتحمل فيها هذه المؤسسة الدولية مسؤولية خاصة.
ان شعبنا يتكلم وهو يتطلع الى المستقبل اكثر مما هو مقيد بمآسي الماضي واغلال الحاضر. واذا كنا، ونحن نتحدث عن الحاضر نعود الى الماضي، فلاننا نريد ان نوضح بداية الطريق الذي نشقه الى المستقبل المشرق مع كل شعوب العالم عامة، وحركات التحرر خاصة. واذا كنا نعود الى جذور قضيتنا، فلانه ما زال بين الحاضرين هنا من يحتل بيوتنا، ويرتع في حقولنا، ويقطف ثمار اشجارنا، ويدعي اننا أشباح لا وجود لها ولا تراث ولا مستقبل. ولان هنالك من كان يتصور، والى وقت قريب، وربما حتى الآن، أن مشكلتنا هي مشكلة لاجئين، او ان مشكلة الشرق الاوسط هى مشكلة خلاف على حدود بين الدول العربية وبين الكيان الصهيوني، او يتصور ان شعبنا يدعي حقوقاً ليست له ويقاتل دونما سبب معقول ومشروع إلا الرغبة في تعكير السلام وارهاب الآخرين. ولان هنالك بينكم، وأعني الولايات المتحدة الاميركية وغيرها، من يمون عدونا بطائراته وقنابله وكل أدوات الفتك والتدمير، ويقف منا موقف العداء، ويعمد الى تشويه حقيقة المشكلة، كل ذلك على حساب الشعب الاميركي، وعلى حساب رفاهيته، وعلى حساب الصداقة التي نتطلع اليها مع هذا الشعب العظيم الذي نكن له ولتجاربه في النضال من اجل حريته ووحدة أراضيه، كل تقدير.
وانني لأنتهز هذه المناسبة لأتوجه الى الشعب الاميركي وأخاطبه من مكاني هنا، ان يقف مع شعبنا الشجاع المناضل. ان يقف مع الحق والعدالة. ان يتذكر بطله جورج واشنطن الذي ناضل لاستقلال اميركا وحريتها، ويتذكر ابراهام لنكولن الذي وقف مع المحرومين والمعذبين، ويتذكر وصايا ويلسون الاربع عشرة والتي يتبناها شعبنا ايماناً بهذه المبادئ الانسانية العظيمة.
وأتوجه الى الشعب الاميركي وأتساءل: هل هذه التظاهرات المعادية التي تنطلق في الخارج هي وجهه الحقيقي، وما هي الجريمة التي ارتكبها شعبنا ضد الشعب الاميركي؟
لماذا هذا الوجه المعادي؟ هل هو لصالح اميركا؟ هل هو لصالح الجماهير الاميركية؟ حتماً لا. وأرجو ان يتذكر الشعب الاميركي ان صداقته مع أمتنا العربية هي اهم، وهي أبقى، وهي أنفع.
سيدي الرئيس،
ان شرحنا لجذور قضيتنا نابع من ايماننا بأن العودة الى اصول القضايا التي تشغل العالم أمر ضروري عند تلمس الحلول لها. وهذا منهج نطرحه على السياسة الدولية لتأخذ به بعد ان عانت الكثير وعانت الشعوب معها من محاولات تجاهل الاصول والقفز عليها او إنكارها رضوخاً واستسلاماً للامر الواقع.
ترجع جذور المشكلة الفلسطينية الى اواخر القرن التاسع عشر، او بكلمات اخرى الى ذلك العهد الذي كان يسمى عصر الاستعمار والاستيطان وبداية الانتقال الى عصر الامبريالية، حيث بدأ التخطيط الصهيوني - الاستعماري لغزو ارض فلسطين بمهاجرين من يهود اوربا، كما كان الحال بالنسبة للغزو الاستيطاني لافريقيا، في تلك الحقبة التي توطدت فيها سطوة عتاة الاستعمار القادمين من الغرب الى افريقيا وآسيا و اميركا اللاتينية، للاستيطان، واقامة المستعمرات، وممارسة أشد اشكال الاستغلال والاضطهاد والنهب لشعوب القارات الثلاث. انها الحقبة التي ما زلنا نشهد آثارها العنصرية البشعة في الجنوب الافريقي، وكذلك في فلسطين.
وكما استخدم الاستعمار والمستوطنون افكار " التمدين والتحضير " لتبرير الغزو والنهب والعدوان في افريقا وغيرها، كذلك استخدمت هذه الذرائع لغزو فلسطين بموجات المهاجرين الصهاينة. وكما استخدم الاستعمار والمستوطنون الدين واللون والعرق واللغة لتمرير عملية استغلال الشعوب واخضاعها بالتمييز والتفرقة والارهاب في افريقيا، كذلك استخدمت هذه الاساليب لاغتصاب الوطن الفلسطيني، واضطهاد شعبه، ومن ثم تشريده، وكما استخدم الاستعمار، وقتئذ، المحرومين والفقراء والمستغلين كوقود لنار عدوانه ومرتكزات للاستيطان، كذلك استخدم الاستعمار العالمي والقادة الصهاينة اليهود المحرومين والمضطهدين في اوروبا كوقود للعدوان ومرتكزات للاستيطان والتمييز العنصري. ان الايديولوجية الصهيونية التي استخدمت ضد شعبنا لاستيطان فلسطين بالغزاة الوافدين من الغرب، استخدمت في الوقت ذاته لاقتلاع اليهود من جذورهم في اوطانهم المختلفة ولتغريبهم عن الامم.
انها ايديولوجية استعمارية استيطانية عنصرية تمييزية رجعية تلتقي مع اللاسامية في منطلقاتها، بل هي الوجه الآخر للعملة نفسها. فعندما نقول ان تابعي دين معين، هو اليهودية، اياً كان وطنهم، لا ينتسبون الى ذلك الوطن، ولا يمكنهم ان يعيشوا كمواطنين متساوين مع بقية المواطنين من الطوائف الاخرى، فان ذلك التقاء مباشر مع دعاة اللاسامية. وعندما يقولون ان الحل الوحيد لمشكلتهم هو ان ينفصلوا عن الامم والمجتمعات التي هم جزء منها عبر تاريخ طويل، ثم يهاجرون ليستوطنوا ارض شعب آخر ويحلون محله بالقوة والارهاب، يأخذون من غيرهم الموقف نفسه الذي اخذه دعاة اللاسامية منهم. ومن هنا، نلاحظ مثلا العلاقة الوثقى بين رودس وهو يوسط استعماره الاستيطاني في جنوب شرقي القارة الافريقية، وبين هيرتسل الذي راح يخطط ويصمم لاستعماره الاستيطاني على أرض فلسطين. وعندما حصل هيرتسل على شهادة حسن سلوك استعماري استيطاني من رودس، قدمها للحكومة البريطانية ليستصدر منها قرار التأييد والدعم مقابل ان يبني على أرض فلسطين قاعدة للاستعمار تؤمن مصالحه في أهم النقاط الاستراتيجية في الشرق الاوسط.
وهكذا، باشرت الحركة الصهيونية، متحالفة مع الاستعمار العالمي، غزوتها لبلادنا. واسمحوا لي ان اوجز بعض الحقائق التالية حولها:
كان عدد سكان فلسطين، عند بداية الغزو عام 1881 وقبل قدوم اول موجة استيطان، حوالي نصف مليون نسمة كلهم من العرب، مسلمين ومسيحيين، ومنهم حوالي عشرون ألفاً من يهود فلسطين يعيشون جميعاً في كنف التسامح الديني الذي اشتهرت به حضارتنا.
وكانت فلسطين أرضاً خضراء معمورة بشعبها العربي الذي يبني الحياة في وطنه، ويغني ثقافته.
وعمدت الحركة الصهيونية الى تهجير حوالي خمسين الف يهودي اوروبي بين عامي 1882 و 1917، لاجئة الى شتى اساليب الاحتيال لتغرسهم في ارضنا. ونجحت في الحصول على تصريح بلفور من بريطانيا، فجسد التصريح حقيقة التحالف الصهيوني الاستعماري. وعبر هذا التصريح عن مدى ظلم الاستعمار للشعوب حيث اعطت بريطانيا، وهي لا تملك، وعداً للحركة الصهيونية، وهي لا تستحق. وخذلت عصبة الامم بتركيبها القديم شعبنا العربي، وتبخرت وعود ومبادئ ويلسون في الهواء، وفرضت علينا، قسراً، الاستعمار البريطاني بصورة الانتداب. وتعهد صك الانتداب الذي اصدرته عصبة الامم المتحدة، صراحة، بالتمكين للغزوة الصهيونية من ارضنا.
وعلى مدى الثلاثين عاماً بعد صدور تصريح بلفور، نجحت الحركة الصهيونية مع حليفها الاستعماري، في تهجير مزيد من يهود اوروبا، واغتصاب اراضي عرب فلسطين. وهكذا اصبح عدد اليهود في فلسطين عام 1947 حوالي ستمائة الف، يملكون اقل من 6% من اراضي فلسطين الخصبة، بينما كان تعداد عرب فلسطين حوالي مليون وربع المليون نسمة.
وبفعل تواطؤ الدولة المنتدبة مع الحركة الصهيونية، ودعم الولايات المتحدة لهما، صدر عن هذه الجمعية، وهي في بداية عهدها، التوصية بتقسيم وطننا فلسطين في 29 نوفمبر [ تشرين الثاني] 1947، وسط تحركات مريبة وضغوط شديدة، فقسمت ما لا يجوز لها ان تقسم، ارض الوطن الواحد. وحين رفضنا ذلك القرار، فلاننا مثل ام الطفل الحقيقية التي رفضت ان يقسم سليمان طفلها حين نازعتها عليه امرأة اخرى. ومع ذلك، فقد منح قرار التقسيم المستوطنين الاستعماريين 54% من ارض فلسطين، وكأن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة اليهم، فشنوا حرباً ارهابية ضد السكان المدنيين العرب واحتلوا 81% من مجموع مساحة فلسطين، وشردوا مليون عربي، مغتصبين بذلك 524 قرية ومدينة عربية، دمررا منها 385 مدينة وقرية تدميراً كاملا محاها من الوجود - وحيث فعلوا ذلك اقاموا مستوطناتهم ومستعمراتهم فوق الانقاض وبين بساتيننا وحقولنا.
ومن هنا، يبدأ جذر المشكلة الفلسطينية. ان هذا يعني ان اساس المشكلة ليس خلافاً دينياً أو قومياً بين دينين أو قوميتين، وليس نزاعاً على حدود بين دول متجاورة. انه قضية شعب اغتصب وطنه وشرد من ارضه لتعيش اغلبيته في المنافي والخيام.
وقد استطاع هذا الكيان الصهيوني، وبدعم من دول الاستعمار والامبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية، ان يتحايل على هيئة الامم لقبوله في عضويتها، ومن ثم على شطب قضية فلسطين من جدول اعمالها، وتضليل الرأي العام العالمي بتصوير المشكلة كمشكلة لاجئين بحاجة الى عطف المحسنين او إعادة توطينهم في بلاد الآخرين.
على أن هذه الدولة العنصرية التي قامت على اساس الاستعمار الاستيطاني، لم تكتف بكل ذلك، حيث جعلت من نفسها قاعدة للامبريالية، وراحت تتحول الى ترسانة من الاسلحة لإكمال مهمتها في إخضاع الشعوب العربية والعدوان عليها طمعاً في المزيد من التوسع على الارض الفلسطينية والاراضي العربية. فالى جانب عشرات الاعتداءات التي شنتها هذه الدولة ضد البلاد العربية، قامت بحربين توسعيتين كبيرتين عام 1956 وعام 1967، عرضت، خلالهما، السلم العالمي لخطر حقيقي.
فقد كان من نتائج العدوان الصهيوني في حزيران [يونيو] 1967، ان احتل العدو سيناء المصرية حتى مشارف قناة السويس، واحتل الجولان السورية، فضلا عن احتلاله للارض الفلسطينية حتى نهر الاردن، الامر الذي شكل وضعا جديداً في منطقتنا، وخلق ما يسمى بمشكلة الشرق الاوسط. ومما جعل الوضع يتفاقم اكثر، إصرار العدو على استمرار الاحتلال وتكريسه، مشكلا رأس حربة للاستعمار العالمي ضد امتنا العربية، وقد ضرب عرض الحائط بكل قرارات مجلس الامن ونداءات الرأي العام العالمي للانسحاب من الاراضي التي احتلها بعد حزيران [ يونيو]. ولم تجد كل المساعي السلمية والدبلوماسية لردعه عن هذه السياسة التوسعية، فما كان امام امتنا العربية، وفي مقدمتها دولتا مصر وسورية، الا ان تبذل الجهود المضنية في الاستعداد العسكري من اجل الصمود اولا في وجه هذه الغزوة الهمجية المسلحة بالقوة، وثانياً من اجل تحرير تلك الاراضي واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني بعد استنفاد كل الوسائل السلمية. وضمن هذا الاطار، اندلعت الحرب الرابعة، حرب تشرين [ الاول (اكتوبر) ]، لتؤكد للعدو الصهـيوني عقم سياسته الاحتلالية التوسعية واعتماده على شريعة القوة العسكرية. ولكن رغم ذلك، فان قادة الكيان الصهيوني ما زالوا بعيدين عن الاتعاظ بهذه الدروس، فهم يعدون العدة للحرب الخامسة ليعودوا من جديد الى سياسة مخاطبة العرب بلغة التفوق العسكري، سياسة العدوان والارهاب والاخضاع والحرب.
سيدي الرئيس،
لشد ما يتألم شعبنا حين يسمع تلك الدعايات التي تقول ان اراضيه كانت صحراء فعمرها المستوطنون الاجانب، وان وطنه كان خالياً من السكان، وانه لم يتضرر احد من بني البشر نتيجة قيام هذا الكيان الاستيطاني لا، يا سيدي الرئيس، يجب ان تدحض هذه الاكاذيب من على هذا المنبر العالمي، ويجب ان يعرف الجميع ان فلسطين كانت مهداً لأقدم الحضارات والثقافات، واستمر شعبها العربي ينشر الخضرة والبناء والحضارة والثقافة في ربوعها طوال آلاف السنين، ويرفع لواء التسامح العربي، ضارباً المثل على حرية العقيدة، وحارساً اميناً على مقدسات جميع الاديان في وطنه. وانني، كأحد ابناء بيت المقدس، أحتفظ لنفسي ولشعبي بذكريات جميلة وصور رائعة عن مظاهر التآخي الديني التي كانت تتألق في مدينتنا المقدسة قبل حلول النكبة بها. ولم ينقطع شعبنا عن ذلك إلا بعد تمكن الغزوة الصهيونية الهمجية من إقامة دولة اسرائيل وتشريده. ولكنه ما زال مصمماً على الاستمرار في أداء دوره الحضاري والانساني على ارض فلسطين، ولا يسمح بأن تتحول هذه الاراضي الى بؤرة للعدوان على الشعوب، والى معسكر عنصري ضد الحضارة والثقافة والتقدم والسلام. ولهذا، فان شعبنا لا يستطيع إلا ان يواصل تراث اجداده في الكفاح ضد الغزاة، وان يحمل شرف المسؤولية في الدفاع عن وطنه وعن امته العربية وعن الثقافة والحضارة ومهد الديانات السماوية. وتكفينا نظرة سريعة لمواقف اسرائيل العنصرية عندما دعمت منظمة الجيش السرية في الجزائر، وفي دعمها للمستعمرين في افريقيا، سواء في الكونغو وانغولا وموزامبيق وزمبابوي وروديسيا وجنوب افريقيا، وفي وقوفها الى جانب حكومة فيتنام ضد الثورة الفيتنامية، فضلا عن مواقفها المتتابعة في هذا السياق الى جانب الاستعماريين والعنصريين في كل مكان، وعرقلتها لعمل لجنة تصفية الاستعمار، ورفضها التصويت لمصلحة استقلال بلدان افريقيا، ووقوفها ضد مطالب بلدان آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية وبلدان عديدة اخرى في مؤتمرات " المواد الاولية والتنمية "، و" قانون البحار " و " السكان " و " التغذية". كل ذلك يعطي دليلا اضافياً على صورة العدو الذي اغتصب بلادنا، ويكشف عن شرف النضال الذي نخوضه ضده. اننا ندافع عن حلم المستقبل، وهو يدافع عن اساطير الماضي.
السيد الرئيس،
ان لهذا العدو الذي نواجهه سجلا حافلا ضد اليهود انفسهم، فهنالك في داخل الكيان الصهيوني تمييز عنصري بشع ضد اليهود الشرقيين. واذا كنا نحن ندين بكل ما اوتينا من قوة، مذابح اليهود تحت الحكم النازي، فان القادة الصهاينة كان يبدو ان همهم الاكبر حينذاك هو استغلالها لتحقيق الهجرة الى فلسطين.
سيدي الرئيس،
لو كان تهجيرهم الى فلسطين بهدف العيش كمواطنين متساوين معنا بالحقوق والواجبات، لكنا أفسحنا المجال لهم ضمن امكانات وطننا، كما حدث مع عشرات الآلاف من الارمن والشركس الذين ما زالوا بيننا اخوة مواطنين مثلنا تماماً. أما ان يكون هدف ذلك اغتصاب ارضنا وتشريدنا وتحويلنا الى مواطنين من الدرجة الثانية وانزال المعاملة نفسها بنا، فهذا ما لا يمكن ان ينصحنا احد القبول به او الاذعان له. ولهذا، فان ثورتنا منذ البداية لا تقوم على اسس عرقية او دينية عنصرية، وليست موجهة للانسان اليهودي من حيث كونه انساناً، وانما هي موجهة ضد العنصرية الصهيونية وضد العدوان. وبهذا المعنى، فان ثورتنا هي ايضاً من اجل الانسان اليهودي. اننا نناضل من اجل ان يعيش اليهود والمسيحيون والمسلمون بمساواة في الحقوق والواجبات وبلا تمييز عنصري او ديني.
أ - اننا اذن، يا سيادة الرئيس، نفرق بين اليهودية وبين الصهيونية. وفي الوقت الذي نعادي الحركة الصهيونية الاستعمارية، فاننا نحترم الدين اليهودي. واننا نحذر اليوم، وبعد قرابة قرن من بروز هذه الحركة العنصرية، من ان خطرها يتزايد ضد اليهود في العالم، وضد شعبنا العربي، وضد أمن العالم وسلامته. فالصهيونية لا تزال متمسكة بتهجير اليهود من اوطانهم واصطناع قومية لهم يستبدلون بها قومياتهم الاصلية. ان الصهيونية تتابع نشاطها التخريبي هذا على الرغم من ظهور فشل الحل الذي قدمته، وان ظاهرة النزوح من التجمع الاسرائيلي المستمرة منذ قيامه والتي ستقوى مع سقوط قلاع الاستعمار الاستيطاني العنصري في العالم، لدليل على هذا الفشل.
ب - اننا ندعو جميع الشعوب والحكومات لمجابهة مخططات الصهيونية الرامية الى تهجير مزيد من يهود العالم من اوطانهم ليغتصبوا وطننا. وندعوهم، في الوقت نفسه، للوقوف في وجه اي اضهاد للانسان بسبب دينه او جنسه أو لونه.
ج - وانني اتساءل، يا سيادة الرئيس، لماذا يتحمل شعبنا ووطننا مسؤولية الهجرة اليهودية اذا كانت لا زالت مثل هذه المشكلة في مخيلة البعض؟ واتساءل لماذا لا يتحمل المتحمسون لهذه المشكة، ان وجدت المسؤولية، فيفتحوا بلادهم الكبيرة الرقعة والقادرة لاستيعاب هؤلاء المهاجرين ومساعدتهم.
السيد الرئيس،
ان الذين ينعتون ثورتنا بالارهاب، انما يفعلون ذلك لكي يضللوا الرأي العام العالمي عن رؤية الحقائق، عن رؤية وجهنا الذي يمثل جانب العدل والدفاع عن النفس، ووجههم الذي يمثل جانب الظلم والارهاب.
ان الجانب الذي يقف فيه حامل السلاح هو الذي يميز بين الثائر والارهابي. فمن يقف في جانب قضية عادلة، ومن يقاتل من اجل حرية وطنه واستقلاله ضد الغزو والاحتلال والاستعمار، لا يمكن ان تنطبق عليه، بأي شكل من الاشكال، صفة ارهابي والا اعتبر الشعب الاميركي، حين حمل السلاح ضد الاستعمار البريطاني، ارهابياً، واعتبرت المقاومة الاورربية ضد النازية ارهابا، واعتبر نضال شعوب آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية ارهاباً. لا، يا سيدي الرئيس، ان هذا هو الكفاح العادل والمشروع والذي يكرسه. ميثاق هيئة الامم والاعلان العالمي لحقوق الانسان. اما الذي يحمل السلاح ضد القضايا العادلة، الذي يشن الحرب لاحتلال اوطان الآخرين ونهبهم واستغلالهم واستعمارهم، فذلك هو الارهابي. وأعماله هي التي يجب ان تدان، وينسحب عليه لقب مجرم حرب، ذلك ان عدالة القضية هي التي تقرر عدالة السلاح.
السيد الرئيس،
ان الارهاب الصهيوني الذي ارتكب بحق الشعب الفلسطيني لاجلائه عن وطنه واقتلاعه من ارضه، مدون لديكم في وثائق رسمية وزعت في الامم المتحدة. لقد ذبح الآلاف من ابناء شعبنا في قراهم ومدنهم، واجبر عشرات الالوف تحت نار البندقية وقصف المدافع والطائرات ان يتركوا بيوتهم وما زرعوا في ارض اجدادهم. وكم من مسيرة اجبر فيها ابناء شعبنا، نساء واطفالا وشيوخا، على الخروج من دون زاد او ماء، وارغموا على تسلق الجبال والتيه في الصحراء. ان الكوارث التي حلت عام 1948 بأهالي المئات من القرى والمدن في السهل والجبل، في القدس ويافا واللد والرملة والجليل، لم ولن ينساها من عانى اهوالها لحظة لحظة، رغماً عن التعتيم الاعلامي العالمي الذي نجح في إخفاء هذه الاهوال كما أخفى أثر 385 قرية ومدينة فلسطينية، دمرت في حينه، وازيلت من الوجود. ان نسف 19 ألف منزل على مدى السبع سنوات الاخيرة، اي ما يساوي تدمير مائتي قرية فلسطينية اخرى تدميراً كاملا، والأعداد الضخمة من مشوهي الارهاب والتعذيب ومن في السجون، لا يمكن ان يطمسه التعتيم الاعلامي. لقد وصل ارهابهم الى الحقد حتى على شجرة الزيتون في بلادي التي اعتبروها علماً شامخاً يذكرهم بسكان البلاد الاصليين، يصرخ: ان الارض فلسطينية، فراحوا يعملون على اقتلاعها او قتلها بالاهمال والتحطيب. ماذا يمكن ان يسمى تصريح غولدا مئير عندما عبرت عن قلقها من الاطفال الفلسطينيين الذين يولدون كل صباح. انهم يرون في الطفل الفلسطيني والشجرة الفلسطينية عدواً يجب التخلص منه. يا سيادة الرئيس، طيلة عشرات السنين وهم يتعقبون قيادات شعبنا الثقافية والسياسية والاجتماعية والفنية بالارهاب والتقتيل والاغتيال والتشريد. لقد سرقوا تراثنا الحضاري، وفولكلورنا الشعبي وادعوه لهم، ومدوا ارهابهم الى مقدساتنا في مدينة السلام، القدس الحبيبة، وعمدوا الى إفقادها طابعها العربي المسيحي الاسلامي من خلال تهجير سكانها وضمها لدولتهم. ولا حاجة لان نسترسل في ذكر حرق المسجد الاقصى، وسرقة ثروات كنيسة القيامة، والتشويه الذي لحق بعمرانها وطابعها الحضاري. فالقدس، بروعتها، و بالعبق التاريخي المسيطر عليها، تشهد لاجيالنا المتعاقبة التي مرت عليها تاركة في كل ركن من اركانها اثراً خالداً - وبصمة حنون ولمسة حضارية ونبضة انسانية.
وليس غريباً ان تتعانق في سمائها الرسالات السماوية الثلاث، وتتهادى في ركبها وآفاقها تنير للبشرية طريق جلجلتها، وهي تحمل اشواكها وآلامها لترسم مستقبلها بكل ما فيه من آمال وأمان ومعطيات.
السيد الرئيس،
ان العدد القليل من العرب الفلسطينيين الذين لم يستطع العدو تهجيرهم من ارضهم عام 1948، هم الآن لاجئون على ارضهم، وقد عوملوا في القانون الاسرائيلي كمواطنين من الدرجه الثانية، بل والثالثة، باعتبار ان اليهود الشرقيين هم مواطنو الدرجة الثانية. ومورست ضدهم كل اشكال التمييز العنصري والارهاب، وصودرت اراضيهم وممتلكاتهم، وتعرضوا لمذابح دامية كما حدث في قرية كفر قاسم، وهجروا من قراهم، وحرموا من العودة لها، كما حدث لاهالي قريتي كفر برعم واقرت. كما ان اهلنا عاشوا هناك ثمانية عشر عاماً تحت الحكم العرفي، لا يحق لهم الانتقال من مكان الى مكان مجاور دون اذن مسبق من الحاكم العسكري. تصور، ياسيادة الرئيس، في الوقت الذي يسن فيه المشرع الاسرائيلي قانوناً يعطي حقاً تلقائياً بالمواطنية لاي يهودي يهاجر الى ارضنا فور ان يطأها، يسن قانوناً آخر يعتبر الفلسطينيين الذين بقوا في فلسطين ولم يكونوا في قراهم او مدنهم ساعة احتلالها، محرومين من المواطنية.
السيد الرئيس،
ان سجل حكام اسرائيل الحافل بجرائم الارهاب يمتد ليشمل عدداً من ابناء امتنا العربية الذين بقوا تحت الاحتلال في سيناء او الجولان. كما ان ذكرى جريمة قصف مدرسة بحر البقر ومصنع ابو زعبل في مصر العربية، ما زالت ماثلة للاذهان. واما تدمير مدينة القنيطرة السورية فما زال شاهداً لكل من يريد ان يرى ما يفعله الارهاب. واذا فتح سجل الارهاب الصهيوني على جنوبي لبنان، وهو الارهاب الذي ما زال مستمراً، فسوف تقشعر الابدان من هول ما يرتكب من اعمال القرصنة والقصف والعدوان، بما في ذلك تهجير المدنيين وتدمير بيوتهم وخطفهم وحرق مزارعهم الى جانب الاعتداءات المستمرة على سيادة الدولة اللبنانية، والاعداد لسرقة مياه نهر الليطاني. ولنذكر، في هذا المجال، بالمقررات العديدة التي صدرت عن هذه المنظمة، والتي تدين اسرائيل بارتكاب الاعتداءات ضد الدول العربية وباعتداء على حقوق الانسان، وفيما يتعلق بضم القدس وتغيير وضعها السابق للاحتلال وادانتها لمخالفات متعددة لبنود اتفاقيات جنيف في حالة الحرب.
السيد الرئيس،
ان التأمل بكل هذه الاعمال لا يمكن ان يطلق عليه من وصف غير وصف الارهاب الهمجي. ومع ذلك، يتجرأ اولئك الارهابيون الغزاة العنصريون على تسمية نضالات شعبنا العادلة بالاعمال الارهابية. هل يوجد ثمة تجرؤ على الباطل والتزييف اشد من هذا؟ واننا نقول ان على اولئك الذين اغتصبوا ارضنا، وارتكبوا من جرائم الارهاب والتمييز العنصري اكثر مما فعل ويفعل العنصريون في جنوب افريقيا، ان يذكروا قرار الجمعية العامة لهيئة الامم المتحدة الذي اعلن طرد جنوب افريقيا من عضويتها، لان ذاك هو المصير المحتوم لكل الدول العنصرية التي تطبق شريعة الغاب وتغتصب وطن الآخرين وتضطهدهم.
السيد الرئيس،
لقد قاوم شعبنا الفلسطيني خلال ثلاثين عاماً، تحت الاحتلال البريطاني والغزو الصهيوني، كل محاولات انتزاع ارضه. وناضل في ثورات ست، ومن خلال الانتفاضات الشعبية، ومن اجل احباط المؤامرة، ليبقى على ارضه وفوق تراب وطنه، قدم في سبيل ذلك ولغاية 1948 ثلاثين الف شهيد (اي ما يوازي 6 ملايين اميركي بالنسبة لعدد السكان اليوم).
وعندما اقتلعت غالبيته من الارض الفلسطينية التي احتلت عام 1948، ظل يقاوم في ظررف صعبة محاولات افنائه. وحاول شعبنا بكل الطرق، استمرار نضاله السياسي من اجل حقوقه، دون جدوى. وناضل للحفاظ على وجوده فتعلم ابناؤه في النزوح والشتات، وكدحوا تحت اصعب الظروف ليستطيعوا الاستمرار، واصبح لدى الشعب الفلسطيني آلاف الاطباء والمهندسين والاساتذة والعلماء، توجهوا بعملهم وامكانياتهم للاقطار العربية المحيطة بوطنهم المغتصب، فساهموا في البناء والتعمير والتطوير، وحصلوا على دخل استخدموه لمساعدة اقربائهم الصغار والعجائز الذين استحال عليهم مغادرة مخيمات النزوح، علم الاخ اخاه واخته، وحافظ على والديه وربى اولاده، ولكنه ظل يحلم في قلب ذاته بالعودة الى فلسطين. ظل فلسطينياً متمسكاً بوطنه لا يهتز ولاؤه لها، ولا تهن عزيمته، ولا يفتر حماسه. لم يغره شيء للتخلي عن فلسطينيته ووطنه فلسطين. لا ولم ينسه الزمن اياها كما توقع المتوقعون.
وعندما خابت آمال شعبنا بالاسرة الدولية التي نسيته وتغافلت عن حقوقه، وثبت لشعبنا عجز النضال السياسي وحده عن استعادة شبر من ارض وطنه، لجأ شعبنا الى الثورة الفلسطينية واعطاها كل امكانياته المادية والبشرية وخيرة شبابه. وواجه شعبنا ببسالة ارهاباً اسرائيلياً لا يتخيله بشر ليثنيه عن طريق النضال.
لقد قدم شعبنا في السنوات العشر الاخيرة من نضاله، آلاف الشهداء، وأضعافهم من الجرحى والمشوهين والاسرى والمعتقلين من اجل ألا يفنى او يذوب، ومن اجل انتزاع حقه في تقرير مصيره على وطنه وفي عودته الى ترابه.
وتعيش جماهير شعبنا الآن تحت الاحتلال الصهيوني، تقاوم بكل الكبرياء المتأصلة فيها، بكل الشموخ الثوري الملازم لها، سواء من زج منها في السجون والمعتقلات او من يعيش داخل السجن الكبير في قفص الاحتلال ، يقاومون من اجل البقاء والوجود، يناضلون من اجل ان تبقى الارض عربية، ويكافحون الطغيان والظلم والارهاب بشتى صوره المأساوية الخطيرة.
ومن خلال ثورة شعبنا المسلحة، تبلورت قيادته السياسية، وترسخت مؤسساته الوطنية، وبنيت حركة التحرير الوطنية التي تضم كل فصائله وتنظيماته وقدراته والتي جسدتها منظمة التحرير الفلسطينية.
ومن خلال حركة التحرير الوطنية الفلسطينية المناضلة، نضج نضال شعبنا وتعددت اساليبه، فشمل النضال السياسي والاجتماعي بالاضافة للنضال المسلح. واندفعت منظمتنا تساهم في بناء الانسان الفلسطيني المؤهل لبناء المستقبل الفلسطيني، وليس فقط لتعبئته لمواجهة تحديات الحاضر.
وتعتز منظمة التحرير الفلسطينية بأنها وهي تخوض المعارك المسلحة، وتواجه قساوة الارهاب الصهيوني، قامت بمآثر عديدة حضارية وثقافية، فشكلت مؤسسات البحث العلمي، والتطوير الزراعي والرعاية الصحية واحياء التراث الحضاري لشعبنا، وتطوير الفولكلور الشعبي، وخرجت من بين صفوفها عدداً من الشعراء والفنانين والكتاب الذين يسهمون في تطوير الثقافة العربية، وربما امتد ذلك الى الثقافة العالمية. وكان المحتوى لكل ذلك يحمل طابعاً انسانياً عميقاً أثار إعجاب كل الاصدقاء الذين اطلعوا عليه، وكنا بذلك النقيض لعدونا الذي قام على هدم الحضارة والثقافة بترويج الافكار العنصرية والاستعمارية وكل ما هو معاد للشعوب والتقدم والعدل والديمقراطية والسلام.
السيد الرئيس،
لقد اكتسبت منظمة التحرير الفلسطينية شرعيتها من طليعتها في التضحية ومن قيادتها للنضال بكافة اشكاله، واكتسبتها من الجماهير الفلسطينية التي أولتها قيادة العمل واستجابت لتوجيهها، واكتسبتها من تمثيل كل فصيل ونقابة وتجمع وكفاءة فلسطينية في مجلسها الوطني ومؤسساتها الجماهيرية. وقد تدعمت هذه الشرعية بمؤازرة الامة العربية كلها لها. كما تكرس هذا الدعم في مؤتمر القمة العربي الاخير بتأكيد حق منظمة التحرير الفلسطينية في إقامة السلطة الوطنية المستقلة على كل الاراضي الفلسطينية التي يتم تحريرها بصفتها الممثلة الشرعية الوحيدة للشعب الفلسطيني.
كما ان شرعيتها تعمقت من خلال دعم الاخوة في حركات التحرر ودول العالم الصديقة المناصرة التي وقفت الى جانب المنظمة تدعمها وتشد ازرها في نضالها من اجل حقوق الشعب الفلسطيني.
وهنا، لا بد ان اعلن بكل اعتزاز شكر ثوارنا وشعبنا للمواقف المشرفة التي وقفتها مع نضال شعبنا دول عدم الانحياز، والدول الاشتراكية، والدول الاسلامية، والدول الافريقية، والدول الصديقة في اوروبا، وكذلك الاصدقاء في آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية.
سيادة الرئيس،
ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهي بهذه الصفة المعبرة عن رغبات واماني هذا الشعب، وهي بهذه الصفة تنقل اليكم تلك الرغبات والاماني وتحملكم مسؤولية تاريخية كبيرة تجاه قضيتنا العادلة.
سيادة الرئيس،
لقد تعرض شعبنا لويلات الحرب والدمار والتشريد سنين طويلة، ودفع شعبنا من دماء ابنائه وارواحهم ما لا يتعوض بثمن، وعانى من الاحتلال والتشريد والنزوح والارهاب ما لم يعان منه شعب آخر. ولكن ذلك كله لا يجعل شعبنا حاقداً يحلم بالانتقهام، كما انه لا يجعلنا، يا سيادة الرئيس، نقع في سقطة عدونا العنصرية، او نفقد الرؤية الحقيقية في تحديد اعدائنا واصدقائنا.
اننا ندين كل الجرائم التي ارتكبت ضد اليهود، وكل انواع التمييز الصريح والمقنع الذي عانى منه معتنقو اليهودية.
سيادة الرئيس،
انني ثائر من اجل الحرية، واعرف أن كثيرين من الجالسين في هذه القاعة كانوا في مثل المواقع النضالية التي اقاتل منها الآن، واستطاعوا من خلال نضالهم ان يحولوا احلامهم الى حقائق. انهم شركائي في الحلم اذن. من هنا أسألهم ان نمضي في تحويل الحلم المشترك بمستقبل السلام في هذه الارض الفلسطينية المقدسة الى حقائق ساطعة.
لقد وقف المناضل اليهودي اهود اديف في المحكمة العسكرية الاسرائيلية قائلا: انا لست مخرباً، انا من المؤمنين باقامة الدولة الديمقراطية على هذه الارض. انه الآن في غياهب سجون الزمرة العسكرية الصهيونية مع زملاء له.
ويمثل الآن، امام هذه المحاكم ذاتها، امير شجاع من امراء الكنيسة المسيحية هو المطران كبوجي. انه يرفع اصابعه بعلامة النصر - شعارثوارنا - ويقول: " انني أعمل من اجل السلام في فلسطين، ليعيش الجميع على ارض السلام بسلام ". وسيلقى هذا الامير الراهب المصير ذاته في غياهب السجون.
فلماذا لا أحلم، سيادة الرئيس، وآمل، والثورة هي صناعة تحقيق الاحلام والآمال. فلنفعل معاً على تحقيق الحلم في ان أعود مع شعبي من منفاي لأعيش مع هذا المناضل اليهودي ورفاقه، ومع هذا المناضل الراهب المسيحي واخوانه في ظل دولة واحدة ديمقراطية، يعيش فيها المسيحي واليهودي والمسلم في كنف المساواة والعدل والإخاء.
ألا يستحق هذا الهدف الانساني النبيل ان اناضل من اجل تحقيقه مع كل الشرفاء في العالم؟ ولعل أروع ما في هذا الهدف العظيم هو انه من اجل فلسطين، ارض القداسة والسلام، ارض الاستشهاد والبطولة.
لقد ناضل اليهود، يا سيادة الرئيس، في اوروبا وهنا في اميركا، من اجل أوطان لا طائفية تنفصل فيها الدول عن الكنيسة، وقاتلوا ضد التمييز على اساس الدين. فكيف يمكن لهم ان يرفضوا هذا النموذج الانساني المشرف على الارض المقدسة، ارض السلام والمساواة؟ وكيف يمكن لهم ان يستمروا في دعم اكثر دول العالم انغلاقاً وتمييزاً وتعصباً.
انني اعلن امامكم هنا، كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية وقائد للثورة الفلسطينية، اننا عندما نتحدث عن آمالنا المشتركة من اجل فلسطين الغد، فنحن نشمل في تطلعاتنا كل اليهود الذين يعيشون الآن في فلسطين ويقبلون العيش معنا في سلام ودون تمييز على ارض فلسطين.
انني، بصفتي رئيساً لمنظمة التحرير وقائداً لقوات الثورة الفلسطينية، أدعو اليهود فرداً فرداً ليعودوا النظر في طريق الهاوية الذي تقودهم عليه الصهيونية والقيادات الاسرائيلية، وهي التي لم تقدم لهم غير النزيف الدموي الدائم والاستمرار في خوض الحروب واستخدامهم كوقود دائم لها.
اننا ندعوكم للخروج الى مجال الاختيار الرحب، بعيداً عن محاولات قيادتكم لغرس عقدة المأساة وجعلها قدراً لكم.
اننا نقدم لكم أكرم دعوة، ان نعيش حقاً في اطار السلام العادل في فلسطيننا الديمقراطية.
انني، كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية وكقائد للثورة الفلسطينية، أتوجه اليكم ان تقفوا مع نضال شعبنا من اجل تطبيق حقه في تقرير مصيره، هذا الحق الذي كرسه ميثاق منظمتكم، وأقرته جمعيتكم الموقرة في مناسبات عديدة. وانني أتوجه اليكم، ايضاً، ان تمكنوا شعبنا من العودة من منفاه الاجباري الذي دفع اليه تحت حراب البنادق و بالعسف والظلم ليعيش في وطنه ودياره وتحت ظلال اشجاره حراً سيداً متمتعاً بكافة حقوقه القومية، ليشاركوا في ركب الحضارة البشرية، وفي مجالات الابداع الانساني بكل ما فيه من امكانات وطاقات، وليحمي قدسه الحبيبة كما فعل دائماً عبر التاريخ، ويجعلها قبلة حرة لجميع الاديان بعيداً عن الارهاب والقهر.
كما أتوجه اليكم بأن تمكنوا شعبنا من إقامة سلطته الوطنية المستقلة، وتأسيس كيانه الوطني على ارضه.
لقد جئتكم، يا سيادة الرئيس، بغصن الزيتون مع بندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الاخضر من يدي.
سيادة الرئيس،
الحرب تندلع من فلسطين،
والسلم يبدأ في فلسطين.
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1974، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 10، ط 1، ص 438 - 446"
مواضيع مماثلة
» خطاب السيد ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينيه،
» كلمة السيد ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية
» خطاب السيد فاروق القدومي، رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، امام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
» - أول تصريح للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أدلى به السيد فرحات عباس
» خطاب للرئيس هواري بومدين الصحراء الغربية وفلسطين
» كلمة السيد ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية
» خطاب السيد فاروق القدومي، رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، امام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
» - أول تصريح للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أدلى به السيد فرحات عباس
» خطاب للرئيس هواري بومدين الصحراء الغربية وفلسطين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى